والثاني: أنه لا ينحل الحجر عنهم؛ لأن في الأَحْرَارِ غنيةٌ عنهم، والأول أَلْيَقُ بِفِقه الباب، وأشبه، والنَّسْوةُ لم يكن فِيهنَّ قوة دفاعٍ لا يحضرن، فإنَّ حُضُورَهُنَّ قد يَجُرُّ شرًّا وُيورِثُ وهناً، وإِنْ كان فِيهنَّ قوةٌ، فعلى ما ذكرنا في العَبِيد، ولا يجبُ في هذا القِسْم استئذانُ الوالِدَيْن، ولا استئذانُ رَبِّ الدَّيْنِ.
والمرتبةُ الثانِيَةِ: أَنْ يتغَشَاهم الكُفَّار، ولا يتمكَّنُوا من التأهُّبِ والتجمُّعِ فمن وقف عليه كَافِرٌ، أو كُفَّارٌ -وهو يعلمُ أَنَّهُ يُقْتَلُ إِنْ أُخِدَ- فعليه أَنْ يتحرَّك، ويدْفَعَ عن نفسه بما يمكنه؛ يستوي فيه: الحُرُّ، والعَبْدُ، والرجلُ، والمرأةُ، والسَّلِيمُ، والأَعْمَى، والأَعْرَجُ، ولا تكلِيفَ على الصِّبْيانِ والمجَانِين، فإن كان يجوزُ أَنْ يُقْتَلَ، وأن يُؤْسَر، ولو امتنع لَقُتِلَ، فيجوزُ أَنْ يَسْتَسْلِم، فَإِنَّ المقاومة والحالةُ هذه، استعجالُ القَتْلِ، ويجوزُ أَنْ يُؤْسَر، والأَسْرُ يحتمل الخلاصُ.
ولو علمت المرأةُ أنَّها لو استَسْلمتْ لامتدَّتِ الأَيْدِي إِلَيْها -فعليها الدَّفْعُ، وإِنْ كانت تقتل؟ لأَنَّ مَنْ أُكْرِه على الزِّنَا لا يحلُّ له المطاوعة لدفع القتل، وإِنْ كانت لا تقصدُ بالفاحشة في الحال، وإِنَّمَا يُظَنُّ ذلك بَعْد السَّبْيِ، فيحتمل أَنْ يجوزَ لها الاستسلامُ في الحالِ، ثُمَّ تدفع حينئذٍ، ولو كان في أَهْلِ البُقْعَةِ كثرة فخرج بعضُهم وفيهم كفاية، فهل يَتَحَتَّمُ على الآخرِينَ المساعدة؟ فيه وجهان:
وأصَحُّهما: نَعَمْ؛ لأنَّ الواقِعَةَ عظيمةٌ، ولو لم يخرج إِلاَّ من يَكْفِيهم ويُكَافِؤهم -لاستَجْرؤوا على دُخُول دَارِ الإسلام.
وأَمَّا أهلُ تلك البَلْدَةِ، فمَنْ كان منهم على دُونِ مَسَافة القَصْرِ، فهو كبعْضِهم، حَتَّى إذا لم يكُنْ من أَهْلِ البلدة كفايةٌ -وجب على هَؤُلاءِ أن يطيروا إِلَيْهم، وإنْ كان منهم كفايةٌ، ففي وُجُوبِ المساعدة عليهم الوجْهَانِ.
وِالذين هم على مسافة القَصْر إِنْ لم يكن في أَهْل البَلْدةِ، والذين يَلُونهم كفايةٌ يجب عليهم أَنْ يَطِيرُوا إليهم فإن طار إليهم مَنْ تحصل به الكِفايةُ -سقط الحرَجُ عن الباقين.
وهذا معنى قَوْلِ صاحِب "التَّهْذِيب": إنَّ الجِهَادَ إذا دَخَلَ الكُفَّارُ دَارَ الإسلامِ -فرْضُ عَيْنٍ في حَقٌ من قَرُبَ، وفرْضٌ على الكِفَاية في حَقّ مَنْ بَعُدَ، وعلى هذا الحكم أصحابُ الأَعْذار على ما ذكرناه في القِسْم الأوَّلِ.
وفيه وَجْهٌ: أَنَّهُ يجب على جميعِهم المساعدةُ والمسارَعَةُ، وليكن هذا في الأَقْرَبِين ممن هم على مَسافة القَصْرِ، وإِنْ كان من في أَهْل البلدة، والذين يلونهم -كفايةٌ، فأظهر الوجْهَيْنِ هو الذي أَوْرَده صَاحِبُ "التهذيب" أَنَّهُ لا يجِبُ على الذين هُمْ على مَسَافَةِ