للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخره تفصيلٌ لما أجمله بقوله: "حتَّى العبْد" وإذا كان في المرأَةِ مُنَّةٌ، فقد سبق أَنَّ الحُكْمُ فِيها كما في العبْدِ في حَالَتِي الاسْتِغْناءِ عنها، وعَدَمِ الاستغناء، ويجوزُ ألاَّ يحوجَ الزوجة إِلاَّ بإِذْن الزَّوْجِ، كما لا يحوج العبد إلى إذْن السَّيِّد.

وقوله: "وَلوْ خَرَجَ قَوْمٌ فِيهمْ كِفَايَةٌ، فَفِي وُجُوب المُسَاعَدَةِ عَلَى الآخَرِينَ" -يَعْنِي الذين هم مِنْ أَهْل تلك البلدة ومَنْ منها على مسافة القَصْرِ.

وقولُه: "وَإِنْ كَانُوا فَوْقَ مَسَافَةِ القَصْرِ -فَوَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ"، أراد به ما ذكره الإمامُ: أَنَّ الوجْهَيْنِ في البُعَدَاءِ الذين هم على مَسَافَةِ القَصْرِ يترتَّبانِ على الوجْهَيْنِ في أهل تلك النَّاحِية إِنِ اكْتَفَينَا هناك بِمَنْ فِيه كِفَايةٌ، ففي البُعْدِ أوْلَى، وإِلاَّ ففيهم وَجْهان.

قال الغَزَالِيُّ: وَمِنْ فُرُوضِ الكِفَايَاتِ القِيَامُ بعُلُومِ الشَّرْعِ* فَأَمَّا مُهِمَّاتُ الصَّلاَةِ وَالوُضُوءِ فَفرْضُ عَيْنٍ* وَكَذَا عِلْمُ التَّجَارَةِ فَرْضٌ عَلَى التَّاجِرِ* وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ صَنْعَةٍ وَهُوَ القَدْرُ الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي كِتَابِ آدَابِ الكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ دُونَ الفُرُوعِ النَّادِرَة* وَلاَ يَتَعَيَّنُ مِنَ الأَصُولِ إِلاَّ اعْتِقَادٌ صَحِيحٌ فِي التَّوْحِيدِ فِي صِفَاتِ اللهِ كَمَا وَرَدَ فِي القُرْآنِ* وَالقِيَامُ بِدَفْعِ شُبْهَةِ المُبْتَدعَةِ فَرْض كِفَايَةٍ* وَكَذَا القِيَامُ بالفَتْوَى.

قال الرَّافِعِيُّ: ومِنْ فُرُوضِ الكِفَايَاتِ العلومُ، منها ما يتعيّن طلبُه وتعلُّمُه، ومنها ما هو مِنْ فرُوضِ الكفايات.

فمما يتعيَّنُ تعلّمُه وطلبُه: ما يُحْتاجُ إِلَيْه لإقامَةِ مفْرُوضات الدِّين: كالوُضُوءِ، والصَّلاةِ، والصِّيام، وغيرَها، فإنَّ من لا يفرّق بين أَرْكانِ الصلاةِ، وشَرَائِطِها, لا يمكنه إِقَامَتُها، وَإِنَّما يتعيّنُ تعلمُ الأَحْكام الظاهرة دُونَ الدقائق، والمسائِل التي لا تعم بها البَلْوَى، وإِنْ كان له مالٌ ذَكَوِيٌّ، فلاَ بُدَّ مِنْ تعلّم ظواهر أحْكَامِ الزكاة.

قال القَاضِي الرُّويَانِيّ: هذا إِذَا لم يكن له سَاعٍ يَكْفِيه الأَمْرَ (١).

ومَنْ يَبِيعُ، وَيشْتَرِي، ويتَّجِرُ يتعيّن عليه معرفةُ أحْكام التِّجَاراتِ، وكذا ما يحتاجُ إِلَيْه صاحبُ كلِّ حِرْفةٍ يتعيَّنُ عليه تعلُّمهُ، وأَمَّا فروضُ الكِفَايَاتِ فقولُه: "القِيَامُ بعُلُومِ الشَّرْعِ" يدخل فيه التَّفْسِيرُ، والحديثُ على ما تبين في الوصيَّةِ.

ومنها أَنْ ينْتَهِي في مَعْرِفة الأَحْكام إلى أَنْ يصلح للفَتْوى والقضاء على ما يتبيّن -إنْ شاء اللهُ تعالى- في "أَدَبِ الْقَضَاءِ"، وهناك يتبيَّنُ أَنَّ المُجْتهِدَ في الشَّرْعِ مُطْلَقاً يُفتي وأَنَّ مَنْ يتبحر في مَذْهب بعَض الأَئِمَّةِ المجتهدين، يُفْتِي أَيْضاً على الأَصَحّ، ولا يكفي


(١) قال النووي: الراجح أنه لا يسقط عنه التعلم بالساعي إذ قد يجب عليه ما لا يعلمه الساعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>