للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتحيةُ تشملُ الطرفَيْن، ويُسْتحبُّ عيادةُ المريضِ، وزيارةُ القادِمِ، ومُعَانَقَتُه (١).


(١) قال النووي في زوائده: قد اختصر الإِمام الرافعي الكلام في السلام وما يتعلق به، وقد جمعت فيه في كتاب "الأذكار" جملاً نفيسة موضحة بدلائلها من الأحاديث الصحيحة مع آيات من القرآن العزيز، وضممت إليها مهمات متعلقة بما لا يستغني راغب في الخير عن معرفة مثلها، وقد خللت بعضها فيما سبق، وأنا أرمز إلى جملة من الباقي إن شاء الله تعالى، فمن ذلك، السنة أن يرفع صوته بالسلام رفعاً يسمعه المسلم عليهم سماعاً محققاً، ولا يزيد رفعه على ذلك، وإذا شك في سماعهم، زاد في الرفع واستظهر، وإن سلم على أيقاظ عندهم نيام، خفض صوته بحيث يسمع الأيقاظ ولا يوقظ النيام، ثبت ذلك في صحيح مسلم عن فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والإشارة بالسلام باليد ونحوها بلا لفظ خلاف الأولى، فإن جمع بين الإشارة واللفظ، فحسن وعليه يحمل حديث الترمذي وهو حديث حسن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ألوى بيده بالتسليم، ويستحب أن يرسل سلامه إلى من غاب عنه، ويلزم الرسول أن يبلغه، فإنه أمانة ويجب أداء الأمانة، وقد سبق أنه يلزم المرسل إليه رد السلام على الفور، ويستحب أن يرد على المبلغ أيضاً، فيقول: وعليه وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، ولو سلم على إنسان، ثم لقيه على قرب، فالسنة أن يسلم عليه ثانياً وثالثاً وأكثر، والسنة أن يبدأ بالسلام قبل كل كلام، والأحاديث الصحيحة وعمل الأمة على وفق ذلك مشهور، وأما حديث السلام قبل الكلام فضعيف، ويستحب لكل واحد من المتلاقين أن يحرص على الابتداء بالسلام للحديث الحسن "أولى الناس بالله تعالى من بدأهم بالسلام" ولو مشى في سوق، أو شارع يطرق كثيراً، ونحوه مما يكثر فيه المتلاقون، قال صاحب "الحاوي": إنما يسلم هنا على بعض الناس دون بعض, لأنه لو سلم على الجميع، تعطل عن كل مهم، وخرج به عن العرف، قال: ولو دخل على جماعة قليلة يعمهم سلام، اقتصر على سلام واحد عليهم، وما زاد من تخصيص بعضهم، فهو أدب، ويكفي أن يرد أحدهم، فإن زادوا، فأفضل، فإن كانوا جميعاً لا ينتشر فيهم سلام واحد، كالجامع والمجلس الحفل، فسنة السلام أن يبدأ به إذا شاهدهم، ويكون مؤدياً سنة السلام في حق من سمعه، ويدخل في فرض الكفاية في الرد كل من سمعه، فإن جلس فيهم، سقط عنه سنة السلام في حق من لم يسمع، وإن أراد الجلوس فيمن بعدهم ممن لم يسمعه فوجهان، أحدهما: أن سنة السلام حصلت بالسلام على أولهم, لأنه جمع واحد، فإن أعاد السلام عليهم، كان أدباً، والثاني: أنها باقية لم تحصل، قال: فعلى الأول يسقط فرض الرد عن الأولين برد واحد من الآخرين، وعلى الثاني لا يسقط، ولعل الثاني أصح، ولا يترك السلام لكونه يغلب على ظنه أن المسلم عليه لا يرد.
قال المتولي: وأما التحية عند خروجه من الحمام بقول: طاب حمامك ونحوه، فلا أصل له، وهو كما قال، فلم يصح في هذا شيء لكن لو قال لصاحبه حفظاً لوده: أدام الله لك هذا النعيم، ونحو ذلك من الدعاء، فلا بأس به إن شاء الله تعالى، وإذا ابتدأ المار فقال: صبحك الله بخير، أو بالسعادة، أو قواك الله، أو لا أوحش الله منك، أو نحو ذلك من ألفاظ أهل العرف، لم يستحق جواباً، لكن لو دعا له قبالته كان حسناً لا أن يريد تأديبه وتأديب غيره لتخلفه وإهماله السلام.
وإذا قصد باب إنسان وهو مغلق، فالسنة أن يسلم، ثم يستأذن فيقول: السلام عليكم، أأدخل، فإن لم يجبه أحد، أعاد ذلك ثانياً وثالثاً، فإن لم يجبه أحد، انصرف، وذكر صاحب "الحاوي" خلافاً في تقديم السلام على الاستئذان وعكسه، واختار مذهباً ثالثاً، فقال: إن وقعت عين المستأذن على صاحب البيت قبل دخوله، قدم السلام، وإن لم تقع عليه عينه، قدم الاستنذان، =

<<  <  ج: ص:  >  >>