للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلى الله عليه وسلم- استعانَ بيهودِ بَنِي قَيْنقَاع في بعض الغَزَواتِ، ورضخ لهم (١)، وشهد صَفْوَانُ معه حربَ حُنَيْنٍ وِهو مُشْرِكٌ (٢)، وإِنَّمَا تجوز الاستعانةُ بهم إذا عرف الإِمَامُ حُسْنَ رَأْيِهم في المسْلِمينَ، وأَمِنَ من خِيَانَتِهم، واعتبر الإمامُ، وصاحبُ "التَّهْذِيبِ" وآخرون شرطاً آخرَ، وهو أَنْ يُكَثِّرَ المسلِمينَ بحيثُ لو خان المستعانُ بهم، وانضمُّوا إلى الذين يَغْزُونهم -لتمكَّنَ المسلِمُونَ مِن مُقَاوَمتهم جميعاً، وفي كتُبِ العِرَاقِيِّينَ وجماعةٍ أَنَّ شَرْطَ جوازِ الاستعانة أن يكون في المسلمِينَ قِلّة، وتمسّ الحاجةُ إلى الاستعانَةِ، ويكاد هذان الشرْطَانِ يتنافَيَانِ؛ لأنهم إذا قَلُّوا حتَّى احتاجُوا في مُقاوَمةِ إِحْدَى الفئتَيْنِ إلى الاستعانة بالأخرى فكيف يَقْدِرُون على مُقَاومتهما معاً (٣)؛ لو التأمتا وتمالأتا؟ وتكلَّمُوا فيما رُوِيَ عن عائِشَةَ -رضي الله عنها- أَن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى بَدْرٍ، فتبعَهُ رجلٌ من المشُرِكين فقال: "تُؤْمِنُ باللهِ ورسُولِه قال: لاَ، قال: فَارْجِعْ؛ فإنَّا لا نَسْتَعِينُ بمُشْركٍ، ثُمَّ أَتَاهُ بعد ذلك، ووصف الإسلامَ، فقبله وَاسْتَصْحَبَهُ" (٤) من وجوه:


(١) أخرجه أبو داود في المراسيل (حديث ٢٨١) والترمذي عن الزهري. أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استعان بناس من اليهود في حربه، وأسهم لهم، والزهري مراسيله ضعيفة، ورواه الشافعي عن أبي يوسف أنا الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم، عن ابن عباس: استعان فذكر مثل ما ذكره المصنف، وزاد: ولم يسهم لهم، قال البيهقي: لم أجده إلا من طريق الحسن بن عمارة وهو ضعيف، والصحيح ما أنا الحافظ أبو عبد الله فساق بسنده إلى أبي حميد الساعدي قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا خلف ثنية الوداع، إذا كتيبة قال: من هؤلاء؟ قالوا: بني قينقاع رهط عبد الله بن سلام، قال: وأسلموا؟ قالوا. لا، قال: قل لهم: فليرجعوا، فإنا لا نستعين بالمشركين.
(٢) تقدم.
(٣) قال النووي في زوائده: لا منافاة، فالمراد أن يكون المستعان بهم فرقة لا يكثر العدو بهم كثرة ظاهرة، وشرط صاحب "الحاوي" أن يخالفوا معتقد العدو، كاليهود مع النصارى، قال: وإذا خرجوا بشروطه، اجتهد الأمير فيهم، فإن رأى المصلحة في تمييزهم ليعلم نكايتهم، أفردهم في جانب الجيش بحيث يراه أصلح، وإن رآها في اختلاطهم بالجيش لئلا تقوى شوكتهم، فرقهم بين المسلمين.
(٤) أخرجه مسلم [١٨١٧] من حديثها، وعن خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب عن أبيه عن جده خبيب بن أساف قال: أقبلت أنا ورجل من قومي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يريد غزواً، فقلت: يا رسول الله إنا نستحيي أن يشهد قومنا مشهداً لا نشهده معهم، فقال أسلمتما؟ فقلنا: لا، قال: فإنا لا نستعين بالمشركين، الحديث، ويجمع بينه وبين الذي قبله بأوجه ذكرها المصنف، منها وذكره البيهقي عن نص الشَّافعي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تفرس فيه الرغبة في الإسلام، فرده رجاء أن يسلم فصدق ظنه، وفيه نظر من جهة التنكير في سياق النفي، ومنها أن الأمر فيه إلى رأي الإِمام، وفيه النظر بعينه، ومنها أن الاستعانة كانت ممنوعة، ثم رخص فيها، وهذا أقربها، وعليه نص الشافعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>