وأجابوا عن حديث عائشة، وحديث خبيب -رضي الله عنهما- بأنهما مَنْسُوخَانِ؛ لأن المنع من الاستعانة كان في أول الأمر ثم استعان بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوةِ خَيْبَرَ سَنَة سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ فَتَكُوْنُ ناسِخَةً لِمَا قبْلَهَا. "مناقشة الأدلة" ونوقشت أدلة المجيزين بما يأتي: أولاً- الحديث الأول في سنده الحسن بن عمارة وهو ضعيف فلا يحتج به. ثانياً- والحديث الثاني أرسله الزهري، وكان يحيى بن القطّان لا يرى مراسيل الزهري شيئاً ويقول هي بمنزلة الريح. ثالثاً- حديث ذي مخبر ليس في استعانة المسلمين بأفراد من الكفَّار وإنما هو في التحالف معهم ضد عدوّ مشترك. رابعاً- يقال في حديث قزمان أنه لم يبين طريقه ليمكن الحكم عليه ولو سلمت صحته فلم يثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- أذن له بذلك في الابتداء، وغاية ما فيه أنه يجوز للإمام السكوت عن كافر قاتل مع المسلمين تبرعاً منه من غير استعانة منهم به وأما خزاعة فقد كانوا حلفاء النبي -صلى الله عليه وسلم-، والأهم من ذلك أنهم كانوا في ذلك الوقت مسلمين بدليل قول عمران بن سالم الخراعي حين وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَسْتَنْصِرُهُ علي بني بكر وقريش. يَا رَبِّ إِنَّي نَاشِدٌ مُحَمَّداً ... حلفَ أَبِيْنَا وَأَبِيْه الأَتْلَدَا قَدْ كُنْتُمْ ولْداً وَكُنَّا وَالِداً ... ثمَّتَ أَسْلَمْنَا فَلمْ نَنْزَعَ يَدَا إلى أن قال: هُمْ بَيَّتُونَا بِالوَتِيْر هُجَّداً ... وَقَاتَلوْنَا رُكَّعاً وَسُجَّدا وأمَّا حديث صفوان فهو في غير محل النزاع؛ لأن ما فيه أن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَعَانَ بِالسِّلاَحَ وَالْكَلاَمِ فِي الاسْتِعَانَةِ بِالرِّجَالِ، وَالْفرْقُ وَاضِحٌ. ومن هذه المناقشة يظهر أن أدلة المجيزين لا تنهض للاستدلال فضلاً عن كونها تعارض أدلّةَ المنع، ولو صحَّ أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- استعان بأحد من المشركين لأمكن أن نجعله مخصوصاً من عموم المنع للمصلحة، ولأمكن أن نقيس عليه مثله مما يكون في الاستعانة به مصلحة للمسلمين، ولكن لم يظهر ذلك.