للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقِيلَ: إنما لم يستعِنْ حينئذٍ لفوات بعْضِ الشرُوطِ المعتبرة.

وقِيل: إِنَّ الأمْرَ فيه إلى رأْي الإمامِ، فرأى أَنْ يستعين في بعض الغَزَواتِ، ولم يره في بَعْض.

قِيل: تفرَّسَ فيه الرغبةَ في الإسلامِ؛ فردَّهُ رجاءَ أن يسْلِمَ، فصدق ظَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم-.


= رابعاً- هناك حوادث أخرى اشتهرت عند أهل السير تفيد الاستعانة بهم كما في زاد المعاد، وعيون الأثر والشوكاني منها أن قزمان خرج مع -رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ مُشْرِكٌ فَقَتَلَ ثَلاَثةً مِنْ بَنِيْ عَبْدِ الدَّارِ حَمَلَةِ لِوَاءِ الْمُشْرِكِيْنَ حَتَّى قَالَ رسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- "إِنَّ اللهَ لَيُأزِّرُ هَذَا الدِّيْنَ بالرَّجُلِ الفَاجِرِ، وَمِنْهَا: أَنَّ خُزَاعَةَ خَرَجَتْ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى قُرَيْشٍ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَمنْهَا أَنَّ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، اسْتَعَارَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دُروْعاً وَأَشْيَاءَ أخْرَى يُسْتَعَانُ فِي الْحَرْبِ بها، وَكَانَ صَفْوَانُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُشْرِكاً".
وأجابوا عن حديث عائشة، وحديث خبيب -رضي الله عنهما- بأنهما مَنْسُوخَانِ؛ لأن المنع من الاستعانة كان في أول الأمر ثم استعان بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوةِ خَيْبَرَ سَنَة سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ فَتَكُوْنُ ناسِخَةً لِمَا قبْلَهَا.
"مناقشة الأدلة" ونوقشت أدلة المجيزين بما يأتي:
أولاً- الحديث الأول في سنده الحسن بن عمارة وهو ضعيف فلا يحتج به.
ثانياً- والحديث الثاني أرسله الزهري، وكان يحيى بن القطّان لا يرى مراسيل الزهري شيئاً ويقول هي بمنزلة الريح.
ثالثاً- حديث ذي مخبر ليس في استعانة المسلمين بأفراد من الكفَّار وإنما هو في التحالف معهم ضد عدوّ مشترك.
رابعاً- يقال في حديث قزمان أنه لم يبين طريقه ليمكن الحكم عليه ولو سلمت صحته فلم يثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- أذن له بذلك في الابتداء، وغاية ما فيه أنه يجوز للإمام السكوت عن كافر قاتل مع المسلمين تبرعاً منه من غير استعانة منهم به وأما خزاعة فقد كانوا حلفاء النبي -صلى الله عليه وسلم-، والأهم من ذلك أنهم كانوا في ذلك الوقت مسلمين بدليل قول عمران بن سالم الخراعي حين وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَسْتَنْصِرُهُ علي بني بكر وقريش.
يَا رَبِّ إِنَّي نَاشِدٌ مُحَمَّداً ... حلفَ أَبِيْنَا وَأَبِيْه الأَتْلَدَا
قَدْ كُنْتُمْ ولْداً وَكُنَّا وَالِداً ... ثمَّتَ أَسْلَمْنَا فَلمْ نَنْزَعَ يَدَا
إلى أن قال:
هُمْ بَيَّتُونَا بِالوَتِيْر هُجَّداً ... وَقَاتَلوْنَا رُكَّعاً وَسُجَّدا
وأمَّا حديث صفوان فهو في غير محل النزاع؛ لأن ما فيه أن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَعَانَ بِالسِّلاَحَ وَالْكَلاَمِ فِي الاسْتِعَانَةِ بِالرِّجَالِ، وَالْفرْقُ وَاضِحٌ.
ومن هذه المناقشة يظهر أن أدلة المجيزين لا تنهض للاستدلال فضلاً عن كونها تعارض أدلّةَ المنع، ولو صحَّ أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- استعان بأحد من المشركين لأمكن أن نجعله مخصوصاً من عموم المنع للمصلحة، ولأمكن أن نقيس عليه مثله مما يكون في الاستعانة به مصلحة للمسلمين، ولكن لم يظهر ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>