الجهاد، فَلْيَكُونُوا كالأَحْرَارِ، وهذا في استئجار المسلم.
وأَمَّا الذِّمِّيُّ فللإمام أَنْ يستعمِلَه للجهاد بمالٍ يبذله، وطريقه الجُعَالة أو الإِجَارَة فيه وجهان:
أَحَدُهُمَا: الجُعَالَةُ؛ لأنَّ أعْمال القتال مجهولة لاَ تَنْضَبطُ، وأصَحُّهما: الإِجَارةُ، ولا يَضُرُّ كَوْنُ الأَعْمال مَجْهُولةً، فَإِنَّ المقصُودَ القتالُ على ما يتفق والمقاصِدُ هي المرعيّةُ على أنَّ مُعَاقَدَاتِ الكُفَّار يُحْتَملُ فيها ما لا يُحْتَملُ في مُعَاقَداتِ المسلمين، على ما سيأتي -إِنْ شاء اللهُ تعالى- في مَسْأَلَةِ العِلْجِ، ولو كان جُعَالَة لكان للذِّميّ الاِنْصِرَافُ، مَتَى شَاءَ، وهو بَعِيدٌ، وعلى هذا فَفِيمَا يستأجره به وَجْهَانِ مَنْقُولاَنِ في "المهذب":
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لا يجوزُ أن تبلغ الأُجْرةُ سَهْمَ رَاجِلٍ؛ لأنَّهُ ليس مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الجهادِ، فلا يُعْطَى سَهْمَ راجلٍ كالصبي والمرْأَةِ، وكأنَّ حاصِلَ هذا الوجْهِ الحكم بِالاِنْفِسَاخ، والردِّ إلى أُجْرة المِثْلِ، إذا بَانَ بالأجرة ازديادُ الأُجْرَةِ على سَهْمٍ من الغَنِيمة، وإِلاَّ ففيَ الابْتِدَاءِ لا ندْرِي قَدْرَ الغنِيمة، وسَهْم الراجِل منها، وأَصَحُّهما: أَنَّهُ لاَ حَجْرَ في قدر الأجرة كما في سائر الإجَارَاتِ، وهل لأحادِ المسْلِمِينَ استئجارُ الذمي للجهاد؟ فيه وَجْهانِ كما في اسْتِئْجَارِ الآحادِ للآذانِ:
أصَحُّهمَا: المنعُ؛ لأنَّ الآحادَ لا يَتَولّون المصَالِحَ العامَّةَ، وذكرنا في "الأَذَانِ" أَنَّ الأصحَّ تجويزُ الاستئجارِ، ويمكن أَنْ نفرّق بِأَنَّ الجهادَ أعظمُ وَقْعاً، ويتعلَّقُ بإقامَتِه وتأْخِيره مَصَالِحُ يحتاج فيها إلى نَظَرٍ كَامِلٍ، وأَيْضاً فالذِّمي مخالِفٌ في الدِّين، وقد يَخُون في الجيْشِ إذا حَضَرَ، فلْيفوَّضْ أمرُه إلى رأْيِ الإِمام، ثُمَّ في الفَصْلِ صُورَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: إذا أخرج الإمامُ أهلَ الذِّمةِ، فالأحبُّ أن يُسَمَّيَ لهم أجرة [فإن ذكر شَيْئاً مَجْهُولاً بأن قال: نُرْضِيكم أو نُعْطِيكم ما تَسْتَغْنون به وجب أجرة](١) المِثْل فإن أَخْرجَهم وحَمَلَهُم على الجهاد قَهْراً، فكذلك تجب أجرةُ المِثْلِ كالاستئجار في سائر الأَعْمالِ، فإِنْ خرجوا آمِنينَ، ولم يُسَمَّ لهم شيئاً فهذا مَوْضِعُ وُجُوب الرضْخِ، وفِي محلِّه أقوالٌ مذكورة في كتاب "قِسْم الفَيْءِ والغَنِيمة"، والأُجْرة الواجبة مُسَمّاة كانت أَوْ أُجْرةَ مثلٍ مِنْ أَيْن تُؤَدَّى؟ ذكروا فِيه وَجْهَيْن:
أَحَدُهما: مِنْ خُمُسِ الخمْسِ مِنْ سَهْم المصالح؛ لأنهم يحضرون للمصلحة، لا أَنَّهم من أهل الجِهَادِ.