للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحَكَى القاضي ابنُ كَج وَجْهاً ثالثاً، وهو أَنَّهَا تؤدي مِنْ أرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الغَنِيمة؛ لأنَّها مُؤَداة بالقتالِ كسِهَامِ الغَانِمِينَ، هذه هي الأَقْوَالُ المذكورَةُ في الرَّضْخِ. وقد يُقالَ: ما معنى قَوْلِنَا: تُؤَدَّى من خُمْسِ مال الخمسِ؟ نعني به خُمْسَ خُمُسِ الغَنِيمة التي تحصلُ في هذا القتال، أو خُمْس خُمس الفَيْءِ والغَنِيمة الحاضر المُعَدِّ عند الإِمام؟

والجوابُ: أَنَّ التأَمُّلَ فيما ساقه الأَئِمّةُ يُفْهمُ تارةً هذا، وتارةً هذا، وحُكْمها واحدٌ، والظاهِرُ أَنَّ كُلاًّ مِنْهما جائزٌ، فإنْ لم يوجد أَحَدُهما -يتعيّنُ الثاني الأداء، وقد يُقالُ: ذكرتُم في الرضخ أَنَّ الأصَحَّ أنَّهُ يُعْطَى من أَرْبَعَةِ أَخْماسِ الغنيمة، وهاهنا رَجَّحُوا الأداءَ من خُمْسِ الخُمْسَ، ورُبَّمَا لم يذكروا غَيْرَهُ، وهو الذي نَصَّ عليه في "المخْتَصَرِ" هاهنا، فما الفرق؟

والجوابُ: يمكِنُ أن يُقال: إذا حضر طائِعاً ولم يُذْكَرْ له مالٌ -فقد شبّه نَفْسَهُ بالمجاهِدِينَ، فيجعل في القِسْمة معهم، وأمَّا الأُجْرة فهي عِوَضٌ محضٌ، ونظره مقصور عليها، فيُجْعل فيما يختص ببدء الإِمَامِ، وتصرُّفِه ولا يُزَاحِمُه فيه الغانِمُون.

الثانية: لو خَلَّى سَبِيلَهُم، وقد أخرجهم قَهْراً قبل أن يَقفوا في الصَّفِّ، أَوْ أفلتوهم ولم يقفوا -لا تلزمْ إِلاَّ أجرةُ الذهابِ، وإن تعطّلت منافِعُهم في الرجُوعِ؛ لأنَّهم يتردَّدُون حيئنذٍ كيف شاؤوا ولا حبس ولا استئجارَ، وإن وقف المقْهُورُونَ ولم يُقَاتِلُوا، فهل لهم الأُجْرةُ لمدَّةِ الوقُوفِ؟ فِيه وجهان:

أَحَدُهما: نَعَمْ, لأنَّ الوقُوفَ والحضُورَ كالقتالِ في استحقاق سَهْمِ الغَنِيمة، وكذلك في اسْتِحْقَاقِ أُجْرة الجهاد.

وأَظْهرهُما: المنعُ؛ لأنَّ الأُجْرة في مُقَابلة العَمَل، والفائدة المبتغاةُ لم تحصلْ، فعلى هذا إذا لم يكن عليهم حَبسٌ وَقَهْرٌ فلا شَيْءَ لهم، وإِلاَّ فعلى الخِلاَفِ في أَنَّ منفعة الحُرِّ -هل تضمن الحبس والتعطِيل دون الاستيفاء؟ وأشار في "الوَسِيطِ" إلى أَنَّ بين أُجْرة مثل القتال وأجرة الحضور والاحتباسِ هناك- فَرْقاً وتفاوتاً ظَاهِراً.

فإنْ جعلنا الحضُورَ كالقتال -وجبَ أجرة مثل القتال، وإِلاَّ فالواجِبُ أُجْرةَ مثل الوقُوفِ، والاحْتِباسِ إن قُلْنَا: إِنَّ منفعةَ الحُرِّ تضمن بالحبس.

وقولُه في الكتاب: "فَفِي اسْتِحْقَاقِهِمُ الأُجْرَة الكَامِلَة خلافٌ" مُنَزَّلٌ على هذا، ويمكنُ أن تُحْمَل الأُجْرة الكاملة على أُجْرة مِثْلِ الذهابِ والوقُوفِ، فَإِنَّا إذا لم نوجب للوقوف شَيْئاً -يكونُ الواجِبُ أجرة مثل الذهاب وحدها وهي ناقِصَةٌ بالإضافة إلى أُجْرتهما.

وحكى في "البَيانِ" فيما إذا اسْتَأْجر الإمامُ الذِّمِّيَّ فلم يقاتِلْ وَجْهين: في أنَّهُ هَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>