للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ -رضي الله عنه- قتل أَبَاهُ حِينَ سَمِعَه يَسُبُّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فلم يُنْكِر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- صَنِيعَهُ (١).

وقولُه في الكتاب: "وَهُوَ الرَّحِمُ" أَيْ: ذَوُ الرَّحِمِ.

الثانية: لا يجوزُ قتلُ صِبْيان الكُفَّار، ونِسَائِهم إذا لم يُقَاتِلُوا؛ لما رُوِيَ عن عَبْدِ الله ابن عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: نَهَى عن قَتْلِ النِّسَاءِ (٢) والصبيان، وروى أَنَّه -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ في بعض غَزَوَاتِه؛ فقال: مَا بَالُ هَذِه تُقْتَلُ وَهِيَ لاَ تُقَاتِلُ" (٣)؟ والمجنُونُ كالصَّبي، والخُنْثَى المُشْكِلُ كالمرأة.

فإن قاتلوا جاز قَتْلُهم؛ لما روي أنَّه -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بامرأةٍ مَقْتُولةٍ يَوْمَ خَيْبَرٍ، فقال: مَنْ قَتَلَ هَذِهِ؟ فقال رجلٌ: أنا يا رسولَ اللهِ، غنِمْتُها؛ فأَرْدَفْتُها خَلْفِي، فَلَمَّا رأتِ الهزيمةَ فِينَا أَهْوَتْ إليَّ قَائِمَ سَيْفِي لتقتلني؛ فَقَتَلْتُها، فلم يُنْكِرْ عليه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم (٤) -، وإذا أُسِرَ مِنْهم مُرَاهِقٌ، ولم يُدْرَ أَهُوَ بالغ أمْ صَبِيٌّ؟ كُشِفَ عن مُؤْتَزرِهِ، فإن لم يَنْبُتْ فحكمُه حُكْمُ الصبيان، وإِنْ أَثْبَتَ حُكِمَ بِبُلُوغه خِلاَفاً لأَبِي حَنِيْفَةَ وقد ذكرناه، ومعتمدُ المذْهَبِ في "كتاب الحَجْرِ"، وحكينا قولَيْن من أَنَّهُ بلوغ حَقِيقةٌ أو هو دَلِيلُ البلوغ، فإِنْ قال المأْسُورُ: استعجلْتُ الشعرَ بالدَّواءِ بُنِيَ على هذين القوْلَيْن.

فإن قُلْنا: إِنَّهُ عَيْنُ البلوغ، فلا عِبْرَة بما يقولُه، فهو بالغٌ. وإنْ قُلْنا: إِنَّهُ دَلِيلُ


(١) رواه أبو داود في المراسيل والبيهقي من رواية مالك بن عمير قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله إني لقيت العدو ولقيت أبي فيهم، سمعت منه مقالة قبيحة، فطعنته بالرمح فقتلته، فلم ينكر النبي -صلى الله عليه وسلم- صنيعه، هذا مبهم، وروى الحاكم والبيهقي منقطعاً عن عبد الله بن شوذب قال: جعل أبو أبي عبيدة بن الجراح ينعت الآلهة لأبي عبيدة يوم بدر وجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر قصده أبو عبيدة فقتله، وهذا معضل، وكان الواقدي ينكره ويقول: مات والد أبي عبيدة قبل الإسلام.
(٢) متفق عليه البخاري [٣٠١٤ - ٣٠١٥] ومسلم [١٧٤٤] من حديث ابن عمر.
(٣) أخرجه أحمد [٣/ ٤٨٨] وابن حبان [١٦٥٦ موارد] والحاكم [٢/ ١٢٢] وأبو داود [٢٦٦٩] والنسائي والبيهقي من حديث رياح بن الربيع بلفظ: ما كانت هذه لتقاتل؟ ثم قال لرجل: انطلق إلى خالد، فقل له: إن رسول الله يأمرك أن لا تقتل ذرية، ولا عسيفاً، واختلف فيه على المرقع ابن صيفي، فقيل عن جده رياح، وقيل عن حنظلة بن الربيع، وذكر البخاري وأبو حاتم أن الأول أصح (تنبيه) رياح بالياء المثناة تحت وقيل بالموحدة ورجحه البخاري.
(٤) أخرجه أبو داود في المراسيل من رواية عكرمة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى امرأة مقتولة بالطائف، فذكر نحوه، ووصله الطبراني في الكبير من حديث مقسم عن ابن عباس، وفيه الحجاج بن أرطاة، وروى ابن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري نحوه، وهو مرسل أيضاً ووقع في التلخيص (٤/ ١٠٢) يوم حنين والحديث عند البيهقي في ٩/ ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>