للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البلوغِ، وهو الأَظْهرُ فيصدق بيمينه ويحكمُ بالصغرِ، هكذا حكى عن النَّصِّ، وبه أَخَذَ الأصحابُ، لكن رَأَوْهُ مُشْكِلاً من وجهين:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الأَيْمانَ تُسْتعملُ في النَّفْيِ، وهذه اليمين لإثباتِ الاسْتِعْجالِ.

وأُجِيبَ: بِأَنَّا صِرْنَا إليه لحقْنِ الدَّمِ، وقد يخالف القياس، وكذلك نقبلُ الجزية من المجُوسِ، وإن لم نناكحهم ولم نستحلّ ذَبِيحَتَهُم.

والثاني: أنه يَدَّعِي الصِّبَا، وتحليفُ مَنْ يدّعي الصبا بعيدٌ ولهذا الإشكالِ ذهب بعضُ الأَصْحاب إلى أَنَّ هذه اليمينَ احتياطٌ، واستظهارٌ، وليست بواجبة.

وقال أَكْثَرُهُم: لا بُدَّ منها؛ لأَنَّ الدلِيلَ الظاهِرَ قائِمٌ فلا ينزل بمجرَّدِ قَوْل المأْسُورِ، ونزيدُ هذه الصورة شَرْطاً في "كتاب الدَّعَاوى" بتيسِير اللهِ تعالى، وقد أعاد هناك صُورةَ دَعْوَى الاستنبات بالعلاج، ليتبيّن الحكم لو ادَّعَاهُ، ونَكَلَ عن اليمين، ثُمَّ الاعتمادُ في شَعَرِ العَانَةِ على الخَشِنِ دُونَ الضَّعِيفِ الذي لا يُحْوِجُ إلى الحلْقِ، وذكرنا في "الحَجْر" وَجْهَيْنِ في أَنَّ شَعَر الإِبِطِ والوَجْه يُشْترط الخُشُونةُ هل يُلْحقَانِ بشعر العَانَة؟ وبالإلْحَاقِ أجابَ صاحبُ الكتابِ -هاهنا- وهو قَرِيبٌ، وللأئمة اختلافٌ في أَنَّ الراجِحَ من الوجْهَيْنِ ماذا وقد بيناه في ذلك البَابِ، ونباتُ الشَّارِبِ كنباتِ اللِّحْيَةِ، ولا أَثَر لاخضرَارِ الشارِبِ، ويجوزُ أَنْ يُعْلَمَ، لما بَيّنَّا قَوله في الكتابِ: "وَاعْتُمِدَ نَبَاتُ شَعَرِ الْعَانَةِ بالحَاءِ" وقولُهَ: "ويُعَوَّلُ عَلَى ما خَشُنَ" بالواو.

الثالثة: في جواز قَتْلِ الرَّاهِبِ شَاباً كان أو شيخاً، قولانِ، وكذا في العُسَفَاءِ: وهم الأُجَراءُ، والحارفِينَ المشغُولِين بحرَفِهم، وفي الشيوخ الضُّعَفَاءِ، وفي معناهم العُمْيَانِ والزُّمْنَى ومَقْطُوعِي الأَيْدِي والأَرْجُلِ -أحد القولين، أَنَّهُ يجوز قَتْلُهم وبه قال أَحْمَدُ، وهو اختيارُ المُزَنِيُّ وأَبِي إسْحَاقَ؛ لعُموم قولِه تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] وروي أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قال: "اقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ وَاسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ" (١) (٢) وفَسَّرَ "الشَّرْخَ " بالمُرَاهِقِينَ، وأيضاً فهم كفارٌ ذُكُورٌ أَحْرَارٌ مُكلَّفُون -فجاز قَتْلُهم كغيرهم.

والثاني: وبه قال أَبُو حَنِيْفَةَ ومَالِكٌ: أَنَّه لا يجوزُ؛ لما روي أَنَّه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ تَقْتُلُوا النِّسَاءَ وَلاَ أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ" (٣).


(١) قال الحافظ في التلخيص: الشرخ بالخاء المعجمة الشباب، قال أحمد بن حنبل: الشيخ لا يكاد يسلم، والشاب أقرب إلى الإسلام.
(٢) رواه أحمد [٥/ ١٢ و ٢٠] والترمذي [١٥٨٣] من حديث الحسن عن سمرة بلفظ، واستبقوا.
(٣) رواه أحمد من حديث ابن عباس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا بعث جيوشه قال: اخرجوا بسم الله، قاتلوا في سبيل الله، الحديث وفيه: ولا تقتلوا الولدان، ولا أصحاب الصوامع. وفي إسناده إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة وهو ضعيف، وروى البيهقي [٩/ ٩١] من حديث علي نحوه =

<<  <  ج: ص:  >  >>