للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= ومستند هذا الاتفاق عموم الأدلة الدالة على مشروعية القتال كقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} ووجه استنادهم إلى هذه الآية: أن الله أمر فيها بقتال المشركين أمراً مطلقاً لم يقيده بآلة خاصة من آلات القتال وما رواه أحمد وابن ماجة عن صفوان بن عسّال قال: بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سرية فقال: "سِيْرُوا بِاسْمِ اللهِ وَفِي سَبيْلِ اللهِ قَاتِلُوْا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ وَلاَ تُمثَّلُوا وَلاَ تَغْدُرُوْا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيْداً".
أمّا القتال بالماء والنار، فقد اتفقوا على جوازه إذا خيف على جماعة المسلمين، واختلفوا بعد ذلك في جواز إحراقهم بالنار وإرسال الماء عليهم ليغرقوا أو حبسه عنهم ليموتوا عطشاً فذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة إلى جواز قتال الكفار بهما في الجملة -غير أن الحنفية يرون جواز ذلك مطلقاً سواء أمكن القدرة عليهم بغيرهما أم لا، وسواء كان معهم نساء وصبيان أو مسلمون أم لا- وقد قال الكمال في فتح القدير "هذا إذا لم يغلب على الظن أنهم مأخوذون بغير ذلك، فإن كان الظاهر أنهم مغلوبون وأن الفتح بادٍ كره ذلك, لأنه إفساد في غير محل الحاجة وما شرع إلاّ لها".
والشافعية، والحنابلة، يقيدون استعمالهما بعدم القدرة عليهم بغيرهما فإن أمكن القدرة عليهم بغيرهما كره استعمالهما عند الشافعية، وحرم عند الحنابلة.
أمّا المالكية فيقولون برأي الحنابلة على تفصيل لهم وفرق بين كونهم داخل الحصون أو خارجها، وبين وجود النساء والصبيان فيها أو عدم وجودهم، وبين استعمال الماء والنار يَطُول المقام بشرحه.
الأدلّة: استدلّ الجمهور على الجواز بما يأتي:
أولاً: بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وجه الدلالة أن الله تعالى أمر بقتالهم من غير تقييد بآلة خاصة.
ثانياً: بما روي عن أسامة بن زيد قال: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى قرية يقال لها أُبْنى فقال: "ائْتِهَا صَبَاحاً ثُمَّ حَرِّقْ" رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجة. فهذا صريح في الأمر بالتحريق من غير تقييد، وهو نص في إباحة التحريق بالنار، ويقاس عليه التغريق بالماء, لأنه لا فرق بينهما باعتبار أثرهما.
ثالثاً: إن المقصود من مشروعية الجهاد مع الكفار قتالهم بأي وسيلة لتكون كلمة الله هي العليا -ولا شك أن التحريق والتفريق ممّا يتحقق به المقصود فيكون جائزاً.
واستدل الحنابلة على حرمة استعمال الماء والنار عند القدرة عليهم بدونهما بما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "بَعَثَنَا رَسُوْلُ اللهِ فِي بَعْثٍ فَقَالَ: "إِنْ وَجَدْتُم فُلاَناً وَفُلاَنَاً لِرَجُلَيْن فَأَحْرِقوهُمَا بِالنَّارِ" ثم قال حين أردنا الخروج: "إِنِّي كُنْتُ أَمرْتُكُمْ أَنْ تَحْرِقُوْا فُلاَناً وَفُلاَناً، وأَنَّ النَّارَ لاَ يُعَذَّبُ بِهَا إِلاَّ اللهُ فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا" رواه أحمد والبخاري وغيرهما "وجه الدلالة" أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى الصحابة عن إحراق الرجلين لعلمه بأنهم يقدرون عليهما بغير النار، والنهي ظاهر في التحريم فهم يجمعون بين الأدلة فسيعملون بالدليل المجوز لاستعمالهما في حالة عدم القدرة عليهم بغيرهما، وبالدليل المانع عند القدرة عليهم بغيرهما.
واستدل الشافعية على الكراهة في حالة القدرة عليهم بغيرهما بأنه يحتمل إصابة مسلم يظن أنه كافر فلذلك كان مكروهاً. هذا -وقد قال صاحب الفتح من علماء الحنفية بعد أن ذكر جواز التحريق، وإرسال الماء وقطع الأشجار وإفساد الزرع "هذا إذا لم يغلب على الظن أنهم مأخوذون =

<<  <  ج: ص:  >  >>