للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشروع لترك ما ليس بواجب، ويدلُّ ما ليس بواجب لا يكون واجباً، ثم إنه جعل الكلام في سجود السهو قسمين:

أحدهما: فيما يقتضيه.

والثاني: في محله وكيفيته.

أما مقتضيه فشيئان ترك مأمور، وارتكاب منهي.

أما ترك المأمور: فاعلم أن المأمورات تنقسم إلى أركان وغيرها، أما الأركان فلا تنجبر بالسجود؛ بل لا بد من التدارك، ثم قد يقتضي الحال بعد التدارك السجود على ما سيأتي.

وأما غير الأركان فتنقسم إلى الأبعاض وهي التي عددناها في أول صفة الصلاة، إلى غيرها، فالأبعاض مجبورة بالسجود، أما التشهد الأول فلما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صَلَّى الظُّهْرَ بِهِمْ، فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُوَلَيَيْنِ لَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلاَةَ، وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ، وَهُوَ جَالِسٌ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ" (١).

ولو قعد ولم يقرأ يسجد أيضاً، فإن القعود مقصود للذكر، وأما الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأول إذا استَحْببناها وهو الصحيح؛ فلأنه لو تركها في التشهد الأخير عامداً بطلت صلاته، فيسجد لها في التشهد الأول كالتشهد، وأما الصلاة على الآل في التشهد الثاني فإن قلنا بوجوبها فهي من الأركان يجب تداركها، وإن قلنا: إنها سُّنة فهي من الأبعاض وتجبر بالسجود، وكذلك الحكم لو جعلناها سُّنة في التشهد الأول، وقد سبق بيان الخلاف فيه، وأما القنوت فلأنه ذكر مقصود في نفسه فيشرع لتركه سجود السهو كالتشهد الأول.

ومعنى قولنا: "مقصود في نفسه" أنه شرع له محل مخصوص به، ويخرج عن سائر الأذكار، فإنها كالمقدمة لبعض [الأذكار] (٢) كدعاء الاستفتاح، أو كالتابع كالسورة، وأذكار الركوع، والسجود، وأما موضع القنوت فإنما شرع فيه التطويل للقنوت، وحيث لا يقنت يمنع من تطويله، فهذا حكم الأبعاض إذا تركتِ سهواً، وإن تركت عمداً فهل يشرع لها السجود؟ فيه: فيه وجهان:


(١) متفق عليه من حديث عبد الله ابن بحينة أخرجه البخاري (٨٢٩، ٨٣٠، ١٢٢٤، ١٢٢٥، ١٢٣٠، ٦٦٧٠) ومسلم (٥٧٠).
(٢) في ط الأركان.

<<  <  ج: ص:  >  >>