للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهما: أنَّهُ لا يُوَلِّي عَنْهُما؛ لأنَّ طَلَبَهُمَا والحملُ عليهما شُرُوعٌ في الجهاد، فلا يجوزُ الإعْراضُ عنه.

وأظْهَرُهُمَا على ما ذكر في "البحرِ" أَنَّهُ يَجُوزُ ذلك، وفَرْضُ الجهادِ والثبات عليه في الجماعَةِ دُونَ الأفْرَادِ

ولو وَلَّى النِّساءُ لم يَأثَمْنَ، فلسْنَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الجهادِ نَص عليه.

ولا إِثْمَ على الصَّبِيِّ ولاَ عَلَى المغْلُوب على عَقْلِهِ إِذَا وَلَّيَا، فَإِنَّهُمَا ليسا بمكَلَّفَيْنِ، نعمْ، يأثَمُ السَّكْرَانُ. ولو قصد الكُفَّارُ بَلَدًا فتحصّنَ أهلُه إلى أن يجدوا قُوةً، ومددًا لم يأْثَمُوا، إِنَّمَا الإِثْمُ على مَنْ وَلَّى بعد الالتقاء (١).

قولَه في الكتاب: "فبدَا لَهُ ألاَّ يُقَاتِل" أي: عَرَضَ وَظَهَرَ، وقد يوجد في بعض النُّسَخِ: "فَبَدَا له أن يُقَاتِلَ" وَهُوَ صحيح أيضاً، يقال: بَدَا لِفُلاَنٍ في كذا أي: نَدِمَ وأَعْرَضَ عَمَّا عَزَمَ عليه.

قال الغَزَالِيُّ: وَيَجُوزُ الاسْتِبْدَادُ بالمُبَارَزَةِ دُونَ إِذْنِ الإِمَامِ عَلَى أظْهَرِ الوَجهَيْنِ، حَتَّى يَنْفُذَ أَمَانُهُ لِقرْيَةٍ رُؤُوس* وَفِي نَقْلِ الكُفَّارِ إِلَى بِلاَدِ الإِسْلاَمِ كرَاهَةٌ عَلَى وَجْهٍ، إلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِكَايَةٌ فِي الكُفَّارِ.

قال الرَّافِعِيُّ: فيه مسألتان:

إحداهما: المُبَارَزَةُ جَائِزَةٌ؛ لما روي أَنَّ عَلِيًّا -رضي الله عنه- بَارَزَ يوم "الخَنْدَقِ" عَمْرَو بن عبد (٢)، وقد بَارَزَ عُبَيْدَةُ بْنُ الحَارِثِ وحَمْزَةُ بْنُ عبد المطلب وعَلِيُّ -رضي الله عنهم- يوم "بدرٍ" عُتْبَةَ وشَيْبَةَ ابْنَيْ ربيعة، والوَلِيدَ بن عتبة (٣)، وبَارَزَ محمَّد بن مَسْلَمَةَ -رضي الله عنه- يوم "خيبر" مرْحَبًا (٤)، ويروى أَنَّهُ بَارَزَهُ عَلِيٌّ -رضي الله


(١) قال النووي في زوائده: قال صاحب "الحاوي" و"البحر": تجوز الهزيمة من أكثر من المثلين، وإن كان المسلمون فرسانًا والكفار رجالة، وتحرم الهزيمة من المثلين وإن كان المسلمون رجالة والكفار فرسانًا، وهذا الذي قالاه فيه نظر، ويمكن تخريجه على الوجهين السابقين في أن الاعتبار بالمعنى أم بالعدد.
(٢) رواه ابن إسحاق في المغازي منقطعاً، ووصله الحاكم من حديث ابن عباس. ورواه البيهقي [٩/ ١٣٢].
(٣) أخرجه أبو داود من حديث علي، وهو عند البخاري [٣٩٦٦ - ٣٩٦٨ - ٣٩٦٩ - ٤٧٤٣] ومسلم ٣٠٣٣١، مختصرًا واتفقا عليه من حديث قيس بن عباد عن أبي ذر مختصرًا أيضاً.
(٤) أخرجه ابن إسحاق في المغازي حدثني عبد الله بن سهل أخو بني حارثة عن جابر قال: خرج مرحب اليهودي من حصن خيبر، قد جمع سلاحه وهو يرتجز، فذكر الشعر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: من لهذا؟ فقال محمد بن مسلمة: أنا يا رسول الله، فذكر الحديث والقصة، ورواه أحمد والحاكم =

<<  <  ج: ص:  >  >>