للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليكن حَقُّ الَيدِ فيه لجميعهم، كما أَنَّ من مَاتَ وله كَلْبٌ لا يستبدُّ به بعض الوَرَثَةِ، والذي نَجِدُهُ في كتب العِرَاقِيِّينَ: أَنَّهُ إن أَرَادَهُ بعض الغَانِمِينَ، أو بعض أهل الخُمُسِ، ولبم ينازع فيه يُسَلَّمُ إليه، وإن تَنَازَعُوا، فإن وَجَدْنَا كِلاَباً، وأمكنت القِسْمَةُ عَدَداً قُسِّمَت، وإلاَّ أُقْرِعَ بينهم، فإذن الظَّاهِرُ خِلاَفُ ما في الكَتَاب، وقد مَرَّ في "الوَصِيَّةِ" أَنَّهُ قد يعتبر قِيمَتُها عند مَنْ يرى لها قِيمَةٌ، وينظر إلى مَنَافِعِهَا، فيمكن أن يُقَالَ بِمِثْلِهِ هاهنا.

وقوله في الكتاب: "إِهْلاَكُ أَمْوَالِهِمْ غَيْظاً لهم جَائِزٌ، إذا لم يمكن تَمَلُّكُهَا"، ظَاهِرُ السِّيَاقِ يُوَافِقُ ما ذكرنا أَنَّ أَحَدَ الوجهين: أَنَّهُ لا يجوز إِهْلاَكُهَا إذا غَلَبَ على الظَّنِّ حُصُولُهَا لِلْمُسْلِمينَ، والعِبَارَاتُ التي تطلق في هذا المَقَامِ من غَلَبَةِ الظَّنِّ بالحُصُولِ، ورجاء الحصول، وإمكان التَّمَلّكِ والحصول مُتَقَارِبَةٌ.

والأَشْبَهُ والحالةُ هذه -التجوِيزُ والاقْتِصَارُ على الكَرَاهَةِ، وكذلك ذَكَرَهُ الإِمَامُ، فيجوز أن يرقم قوله: "إذا لم يمكن تملكها" بالواو؛ وإشَارَةً إلى أن هذا القَيْدَ غير مُعْتَبَرٍ في الجَوَازِ، ويجوز أن يُحْمَلَ لَفْظُ الجَوَازِ على الإِطْلاَقِ العَارِي عن الكَرَاهِيَة, كما يُقَالُ: وجب جَوَازُ الصَّلاةِ، ووقت الكراهة فَيُجْعَلاَنِ مُتَقَابِلَيْنِ، وحينئذٍ فلا حَاجَةَ إلى الإِعْلاَمِ.

وقوله: "الحَيَوَانَات" ليعلَّم بالحاء والميم، ولاَ بُدَّ من اسْتِثْنَاءِ ما يقاتلون عليه على ما يُتَبَيَّنُ، وإن أطلق الكلام إِطْلاَقًا.

وقوله: "وأَمَّا الأَشْجَارُ فيجوز قَطْعُهَا" لا ضَرُورَة إليه لِدُخُولِهَا في الأَمْوَالِ المَذْكُورَةِ أَولاً.

وفي "التصريح" تَنْبِيهٌ على أَنَّهَا وإن كانت نَامِيَة فليس لها حُرْمَةُ الحَيَوَانَاتِ.

وقوله: "ويجب إِهْلاَكُ كُتُبِهِمْ"، وفي بعض النسخ "ويجوز" وبكُلِّ وَجْه.

وقوله: "وفي جَوَازِ اسْتِصْحَابِهَا ... " إلى آخره، أراد به ما حَكَيْنَاهُ عن الإِمَامِ، والتَّردُّدُ مَخْصُوصٌ بالكُتُبِ المشتملة عى مَقَالَتِهِمْ دون كتب الهَجْوِ والفُحْشِ، ثَمَّ إن اسْتَصْحَبْنَا تلك الكُتُبَ حتى عَرَفْنَا المَقَالاَتِ؟ فالقِيَاسُ أن نبطلها كما ذكر الإِمَامُ، أَنَّهُ لو كانت المَقَالاَتُ مَشْهُورَةٌ، فنبطلها في الحال.

قال الغَزَالِيُّ: (التَّصَرُّفُ الرَّابعُ: الاغْتِنَامُ) وَالغَنِيمَةُ كُلُّ مَا أَخَذَتْهُ الفِئَةُ المُجَاهِدَةُ عَلَى سَبيلِ الغَلَبَةِ دُونَ مَا يُخْتَلَسُ، وَيُسْرَقُ، فَإنَّهُ خَاصٌ ملْكِ المُخْتَلِسِ* وَدُونَ مَا يَنْجَلِي عَنْهُ الكُفَّارُ بِغَيْرِ قِتَالٍ، فَإنَّهُ فَيْء* وَدُونَ اللُّقَطَةِ، فَإنَّهَا لِآخِذِهَا.

قال الرَّافِعِيُّ: قد سبق في "كتاب قَسْم الفَيْءِ والغَنَائِم" أن الغَنِيمَةَ المَالُ الذي يُؤْخَذُ من الكُفَّارِ بالقَهْرِ، وإيجَافِ الخَيْلِ والرِّكَاب، وَأَنَّ الفَيْءَ ما يُحَصَّلُ من الكُفَّارِ من غير قِتَالٍ، فنتكلم الآن في مَسَائِلَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>