إحداها: إذا دخل وَاحِدٌ أو شِرْذِمَةٌ دَارَ الحَرْب مُسْتَخْفِينَ، وأخذوا مَالاً على صُورَةِ السَّرِقَةِ فالذي أَوْرَدَهُ في الكتابِ أَنَّهُ مِلْكُ من أَخَذَهُ خَاصَّةً وذكر الإِمَامُ أَنَّهُ المَذْهَبُ المَشْهُورُ، ورُبَّمَا أَبْدَى القَطْعَ به، وَوَجههُ بأنَّ السَّارِقَ يقصد تَمَلُّكَ المَاَلِ، وإثْبَات اليد عليه، ومَالُ الحَرْبَيِّ غير مَعْصُومٍ، وكأنَّهُ غير مَمْلُوكٍ، وصار سبيله سَبِيلَ الاسْتِيلاَءِ على المُبَاحَاتِ، بخلاف مال الغَنِيمَة، فَإنَّهُ وإن حصل في يد الغَانِمينَ، فليس مقصودهم التملُّك، إذ لا يَجُوزُ التَّغْرِيرُ بالمُهَج لاكْتِسَاب الأَمْوَالِ، والغَرَضُ الأَعْظَمُ إِعْلاَءُ كلمة اللهِ -تعالى- وقَمْعُ أَعْدَاءِ الدِّينِ، ولِلْقَصْدِ أَثَرٌ ظَاهِرٌ فيما يملكُ بالاستيلاء، وحَكَى وَجْهاً آخر أَنَّهُ غَنِيمَةٌ مُخَمَّسَةٌ وَضَعَّفَهُ، وهذا الذي ضَعَّفَهُ هو المُوَافِقُ لما أَوْرَدَهُ أكثرهم، وكأنهمِ جعلوا دُخُولَ دَار الحَرْبِ، وتَغْرِيرَهُ بنفسه قَائِماً مَقَامَ القِتَالِ، ويُوَضِّحُهُ أَنَّهُم ذَكَرُوا أنَّهُ لو غَزَتْ طَائِفَةٌ بغير إِذْنِ الإِمَامِ مُتَلَصِّصِينَ، وأخذت مَالاً فهو غَنِيمَةٌ مخمسة.
وَرَوَوْا عن أبي حَنِيْفَةَ أَنَّهُ لا يُخَمَّسُ، بل يَنْفَرِدُونَ له إذا لم يكن لهم قُوَّةٌ وامْتِنَاعٌ، وفي رِوَايَةٍ أخرى يُؤْخَذُ الجَمِيعُ منهم، ويجعل في بَيْتِ المَالِ.
وفي "التهذيب": أَنَّ الرَّجُلَ الوَاحِدَ إذا دَخَلَ دَارَ الحَرْبِ وأخذ من حَرْبِيٍّ مَالاً بالقِتَالِ أُخِدَ منه الخُمُسُ، والبَاقِي له، وإن أَخَذَهُ على جِهَةِ السَّوْمِ، ثُمَّ جَحَدَهُ أو هرب، فهو له خَاصَّة، ولا يُخَمَّسُ، وهذه الصُّورَة قَرِبيَةٌ من السَّرِقَةِ، والمأخوذ على صورة الاخْتِلاَسِ كالمَأْخُوذِ على صُورَةِ السَّرِقَةِ.
وقد حُكِيَ في "البحر" عن صَاحِبِ "الحاوي": أَنَّهُ يكون غَنِيمَةً يملك المُخْتَلِسُونَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لأنهم ما وَصَلُوا إليه عنوةً حَتَّى غَرَّرُوا بأنفسهم كما لو قاتلوا. وعن أبي إِسْحَاقَ: أَنَّ المختلس يكون فَيْئًا؛ لأَنَّه حَصَلَ بغير إِيجَافِ خَيْلٍ وَرِكَابٍ.
ثم الوَجْهُ الذاهب إلى اخْتِصَاصِ المختلس والسَّارِقِ بما يَأْخُذُهُ، ليكن مَوْضِعُهُ ما إذا دخل الوَاحِدُ أو النَّفَرُ اليَسِيرُ دَارَ الحَرْب وأخذوا، فَأمَّا إذا أخذ بَعْضُ الجند الداخلين بِسَرِقَةٍ أو اخْتِلاَسِ، فيشبه أَنْ يكون غُلُوَلاً يُبَيِّنَهُ أَنَّ القاضي الرُّوَيانِيَّ نقل أنَّ ما يَهْدِيهِ الكَافِرُ إلى الإِمام، أو إلى واحدٍ من المسلمين، والحَرْبُ قَائِمٌ لا يَنْفَرِدُ به المَهْدِيُّ إليه بِكُلِّ حالٍ، بخلاف ما إذا أهدى من دار الحَرْبِ إلى دار الإِسلام.
وعن أبي حنيفة: أَنَّهُ يَنْفَرِدُ بما يَهْدِيهِ المهدي إليه بِكُلِّ حَالٍ، وإذا لم تَخْتَصَّ الهَدِيَّةُ بالمَهْدِيِّ إِلَيْهِ، فأولى أَلاَّ يَخْتَصَّ السَّارِقُ بالمَسْرُوقِ.
الثانيةُ: المَالُ الضَّائِعُ الذي يُؤْخَذُ على هَيْئَةِ اللُّقَطَةِ إن كان مما يُعْلَمُ أَنَّهُ للكُفَّارِ، فَجَوَابُ الإِمَام، وصاحب الكتاب أَنَّهُ لمن وَجَدَهُ؛ بناء على أنَّ الْمُخْتَلَسَ والمَسْرُوقَ لمن أَخَذَهُ، وهذا لأنَّهُ ليس مَأْخُوذًا بِقُوَّةٍ الجُنْدِ، أو قُوَّةِ الإِسْلاَمِ، حتى يكون فَيْئًا، ولا بقتالٍ حتى يكون غَنيمَةً.