وجواب عَامَّةِ الأَصْحَاب أَنَّهُ يكون غَنِيمَةً لا يَخْتَصُّ به الآخِذُ، وعلى هذا يَنْطَبِقُ نَصُّهُ في "المختصر" على ما سنَحْكِيهِ في المسألة الثالثة، وإن أمكن أن يكون لِلْمُسْلِمِينَ، بأن كان هناك مسلمون، أو أَمْكَنَ أن تكون هُنَاكَ ضالة بعض الجند، فَلاَ بُدَّ من التَّعْرِيفِ، ثُمَّ بعد التَّعْرِيفِ يعود الطَّرِيقَانِ في أَنَّهُ يكون لِلآخِذِ، أو يكون غَنِيمَةً، وكيف يعرفُ؟ عن الشيخ أبي حَامِدٍ أَنَّهُ يُعَرَّفُ يَوْمًا أو يومين؛ ويقرب منه ما ذكره الإِمَامُ أَنَّهُ يكفي بُلُوغُ التَّعْريِفِ إلى الأَجْنَادِ إذا لم يكن هناك مُسْلمٌ سواهم، ولا ينظرُ إلى احْتِمَالِ طُرُوقِ التُّجَّارِ.
وفي "المهذَّب" و"التهذيب" أنَّهُ يُعَرَّفُ سَنَةً على ما هو قَاعِدَةُ التَّعْرِيفِ، ولفظُ "التَّهْذيب" أَنَّهُ لو وَجَدَ ضَالَّةً في دَارِ الحَرْبِ لِحربي فهو غَنيمَةٌ، فالخُمُسُ لأهله، والبَاقِي له ولمن مَعَهُ، ولو وَجَدْنَا ضَالَّةَ لحربي في دَارٍ الإِسلام لا يَخْتَصُّ هو به، بل يكون فَيْئًا، وكذلك لو دَخَلَ صَبِيٌّ أو امْرَأَةٌ بلاَدَنَا، فَأخَذَهُ رَجُلٌ يكون فَيْئًا، وإن دَخَلَ منهم رَجُلٌ فَأخَذَه مسلمٌ يكون غَنِيمَةً؛ لأنَّ لآخِذِهِ مُؤْنَة، وللإمام أن يَرَى فيه رَأْيَهُ، فإن رأى أن يَسْتَرِقَّهُ يكون الخُمُسُ لأهله، والباقي لمن أَخَذَهُ بِخِلاَفِ الضَّالَّةِ؛ لأَنَّهَا مَالٌ للْكُفَّارِ حَصَلَ في أيدينا من غير قِتَالٍ.
الثالثة: المُبَاحَات التي لم يملكها أَحَدٌ من الحَطَب والحَشِيشِ والحَجَرِ والصَّيْدِ البَحْرِيِّ والبَرِيِّ لآخذها، كما أَنَّها في دَارِ الإسْلاَمِ لآخذها, ولم يَجْرِ عليها مِلْكُ كَافرٍ، حتى يجعل غَنِيمَةً أَوْ فَيْئًا. قال الشَّافِعِيُّ -رضي الله عنه- في "المختصر": إِلاَّ أن يكون مَصْنُوعًا أو صَيداً مُقَرّطاً أو مَوْسُومًا، فلا يكون لمن أَخَذَهُ، يعني إِلاَّ أن يكون حَجَرًا مَصْنُوعًا بِنَقْرٍ أو نَقشٍ، أو حَجَرًا مَنْحُوتًا.
والصيد المُقَرَّطُ: الذي يُجْعَلُ القُرْطُ في أُذُنِهِ، ويروى مقرطقًا، وهو الَّذِي جُزَّ صُوفُهُ، وجُعِلَ على هَيْئَةِ القَرْطَقِ. وقيل: هو الذي يُجْعَلُ له القَرْطَق كَالبَازِيِّ يُحَاطُ له. فهذه الأحوال أَمَارَاتُ اليَدِ والمِلْكِ والدَّارِ للكافرين، والظاهِرُ أنَّها كانت لهم فَتَكُونُ غَنِيمَةً، وإن أمكن كَوْنُهَا للمسلمين، فهي كَسَائِرِ الأموال الضَّوَالِّ، ولاَ بُدَّ من التَّعْرِيفِ كما سَبَقَ. وعن أبي حَنِيْفَةَ وأَحْمَدَ -رحمهما الله- أَنَّ المُبَاحَاتِ التي تُوجَدُ في دَارِ الحَرْب تُخَمَّسُ أَيْضاً إذا كان لآخذيها قُوَّةٌ وامْتِنَاعٌ.