للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما إذا كان مُعْسِرًا وثبت الاسْتِيلاَدُ في حِصَّتِهِ، ولم يسر فيخلق الولد حُرًّا كُلُّهُ، أو الحر منه قدر حِصَّتِهِ، والباقي رَقِيقٌ فيه؟ وجهان أو قولان:

أحدهما: أن كُلَّهُ حُرٌّ؛ لأن الشُّبْهَةَ تَعُمُّ الجَارِيةَ، وحرية الولد تَثْبُتُ بالشُّبْهَةِ، وإن لم يثبت الاستيلاد، ولهذ لو وَطِئَ جَارِيَةَ الغَيْر على ظَنِّ أنها جَارِيتُهُ، أو زوجته يَنْعَقِدُ الوَلَدُ حُرًّا، وإن لم يثبت إلاستيلاد ..

والثاني: أن الحُرَّ منه قَدْر حِصَّتِهِ، وليس كالوَطْءِ بالشبهة فإن الشُّبْهَةَ [نَاشِئَةٌ] (١) من الظَّنِّ غير مُتَبَغضٍ، والشُّبْهَةُ هاهنا من جِهَةِ اسْتِحْقَاقِ المُسْتَوْلَدَةِ مِلْكًا أو وِلاَيَةَ مِلْكٍ، وهو مُتَبَعِّضٌ. وعَبَّرَ بَعْضُهُم عن هذا الخِلاَفِ بأن قال: البَاقِي من الولد هل يُقَوَّمُ عليه مع إِعْسَارِه؟ فيه وجهان:

وإذا قلنا: لا يُعْتَقُ من الوَلَدِ إِلاَّ قَدْرُ حِصَّتِهِ من الأُمِّ، فلو ملك باقي الجَارِيَةِ من بعد بقي الرِّقُّ فيه؛ لأنها عَلَقَتْ بِرَقِيقٍ في غير الملك.

وإن قلنا: إن جميعه حُرٌّ، ففي ثُبُوتِ الاسْتِيلاَدِ في باقيها إذا مَلَكَهُ قَوْلاَن؛ لأنه أَوْلَدَهَا حُرًّا في غَيْرِ المِلْكِ، والخِلاَفُ في أنه هل تَتَبَعَّضُ حُرِّيَّةُ الوَلَدِ جار فيما إذا أَوْلَدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الجَارِيةَ المُشْتَرِكَةَ، وهو مُوسِرٌ.

فإن قلنا: إن جميعه حُرٌّ فعلى المُسْتَوْلِدِ قِيمَةُ (٢) حِصَّةِ الشُّرَكَاءِ من الولد، وهذا أَظْهَرُ الوَجْهَيْنِ على ما ذكره القاضي الرُّوَيانِيُّ، ورواه عن القاضي الطَّبَرِيِّ وغيره.

وقوله في الكتاب: "لكن الأَظْهَرَ أن الشَّرِكَةَ شُبْهَةٌ تُوجِبُ حُرِّيَّةَ الولد" يشعر بِتَخْصِيصِ التَّرْجِيحِ بصورة الشَّرِكَةِ، وبأن الأَظْهَرَ في استيلاد أحد الغانمين التَّبْعِيضُ.

والأشبه أنه لاَ فَرْقَ بين الصُّورَتَيْنِ، وفي كلام الإمَامِ ما يَدُلُّ على تَرْجِيح حُرِّيَّتِهِ فيهما. ورجّح في "التهذيب" التَّبْعِيض فيما يُقَارِبُ هذه الصورة، وقرب الخلاف في الصورتين من الخِلاَفِ في أن الإِمام، هل يجوز أن يَرُقَّ من الأَسِيرِ بعضه؟

وقد مَرَّ، وسُئِلَ القاضي حسين عمن أَوْلَدَ نِصْفُهَا حُرٌّ، ونصْفُهَا رقيق، بنكاح أو زنا، كيف حَالُ الوَلَدِ؟

فقال: يمكن أن يُخَرَّجَ على ذلك الوجهان في وَلَدِ الجارية المشتركة بين الشريك المُعْسِرِ، ثم اسْتَقَرَّ جوابه على أنه كالأم حُرِّيَّةً وَرِقّاً، وهذا هو الوَجْهُ؛ لأنه لا سَبَبَ لِحُرِّيَّتهِ، إلاَّ حرية الأم، فَتَتَقَدَّرُ بتقدر حُرِّيَّتِهَا, وليس كالجَارِيَةِ المشتركة، فإن الشَّرِكَةَ قد تظن شبهة عامة في الجَارَيةِ، وكذا شُبْهَةُ الاستِحْقَاقِ. واعلم أن ما ذَكَرْنَا من ثُبُوتِ


(١) سقط في ز.
(٢) في أ: فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>