للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أنه خشي أن يَشْتَغِلُوا بالعِمَارَةَ والزِّرَاعَةِ، لو تركها في أيديهم وَيتَقَاعَدُوا عن الجِهَادِ.

والثاني: أنه لم يَسْتَحْسِنْ أن يَنْفَرِدوا بها وذُرِّيَّتُهُمْ، وينقطع عن سَائِرِ النَّاسِ الذين يَأْتُونَ من بعدهم [رفقها ومَنْفَعَتهَا] (١).

ويروى أنه قال: لولا أن أَخْشَى أن يَبْقَى آخر الناس بياتًا لا شيء لهم لَتَرَكْتُهُمْ، وما قسم لكم، ولكني أحِبُّ أن يلحق آخِرُ الناس أَوَّلَهُم -وتلا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ ...} الآية.

قوله: "بَيَاتًا" قيل: أي: شيئاً وَاحِدًا وقيل: متَسَاوِيْنَ في الفَقْرِ. وعن القاضي أبي حَامِدٍ أن لابن سُرَيْجٍ عِبَارَة أخرى تخرح الخلاف عن أن يكون ثمناً مع تجويز البَيْع، فقال؛ إن عُمَرَ -رضي الله عنه- وَقَفَهَا وَقْفًا لا محرماً مؤبّدًا، ولكن جَعَلَهَا مَوْقُوفَةً علَى مَصَالِح المسلمين ليؤدي مُلاكها على تَدَاوُلِ الأيدي ويَبْذُلُهَا بالبيع والشراء خَرَاجاً يَنْتَفِعُ به المسَلمون، فعلى الوجه الثاني يجوز رَهْنُهَا، وبَيْعُهَا، وهِبَتُهَا.

وعلى الأول لا يَجُوزُ بيع شيء من ذلك، ويَجُوزُ على الوجهين لأَرْبَابَهَا إِجَارَتُهَا مُدَّةً معلومة، وهل لهم الإجارة المؤبدة بمال يتراضيان عليه؟.

حكى الإِمَامُ فيه تَردُّدًا للأصحاب ومنهم من جَوَّزَهُ تَبَعًا لفعل عُمَرَ -رضي الله عنه-.

وقال: من استحق مَنفَعَةً على جِهَةٍ لم يبعد أن يملك إخراج نفسه من البيت وِإحْلاَل غيره مَحلَّهُ.

والأصح: وهو المَذْكُور في الكتاب: المَنْعُ، كما في سَائِرِ الإجَارَاتِ والتأبيد في إِجَارَةِ عمر -رضي الله عنه- احتمل لِمَصْلَحَةِ كلية، والجزئيات ليسَت كَالكُلِّيَّاتِ -فلا يجوز لغير سُكَّانِهَا أن يزعج واحداً من السُّكَّانِ، ويقول: أنا أَسْتَغِلُّهَا، وأُعْطِي الخَرَاجَ؛ لأنه مالك لرقبتها إِرْثًا على أحد الوَجْهَيْنِ، ومَالِكٌ مَنْفَعَتَهَا على الوجه الأظهر بعقد إنَابَةٍ مع عُمَرَ -رضي الله عنه- والإجَارَة لاَزِمَةٌ لا تَنْفَسِخُ بِالمَوْتِ، وهذا كُلُّهُ في الأرَاضِي المُغِلَّةِ، وهي التي تُزْرَعُ وتُغْرَسُ.

فأما في حَدِّ السَّوَادِ من المَسَاكِنِ والدُّورِ، فإن قلنا: إن تلك الأراضي مَبِيعَةٌ من أَرْبَابِهَا فكذلك المساكن.

وإن قلنا: إنها مَوْقُوفَةٌ فوجهان:

أحدهما: أنها كالمَزَارعِ.


(١) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>