وأظهرهما: وهو الذي أَوْرَدَهُ الرُّوَيانِيُّ في "جمع الجوامع": المنع لأنه لم يكره أحد شِرَاءها وسُكْنَاهَا ولأن وَقْفَهَا يُفْضِي إلى خَرَابِهَا، وهل يجوز لمن في يَدِهِ الأرض تَنَاوُلُ ثِمَارِ أشجارها؟ إن قلنا: إن الأراضي مَبِيعَةٌ منهم، فما فيها من الأشْجَارِ كذلك والثمار مَمْلُوكَةٌ لهم. وإن قلنا: إنها مستأجرة، فوجهان:
أحدهما: يجوز له تَنَاوُلُهَا لِلْحَاجَةِ، ويحتمل ذلك وإن كانت الثِّمَارُ لا تستحقّ في سائر الإجَارَاتِ كما يحتمل التَّأْبِيد.
وأصحهما: وأرجحهما على ما ذكره الرُّوَيانِيُّ وغيره المَنْعُ بل الإِمام يَصْرِفُهَا وأثمانها إلى مَصَالِحِ المُسْلِمِينَ؛ لما روي عن أبي الوَلِيدِ الطَّيَالِيسِيِّ أنه قال: "أدركت النَّاسَ بـ"البصرة" وإنه لَيُجَاءُ بالتمر الفرات فما يَشْتَريهِ إلا أَعْرَابِيٌّ أو من يَتَّخِذُهُ لِلنَّبِيذِ" يريد به أنهم كَانُوا يَتَحَرَّزُونَ منه وإن ذلك كان مَشْهُورًا فيما بينهم.
وإذا تَأمَّلْتَ هذا الشَّرْحَ، ذلك أن تُعَلِّمَ قوله في الكتاب؛ "وقد مَلَكَ عُمَرُ -رضي الله عنه- أَرَاضِيَ العِرَاقِ" بالحاء والواو.
ولأن من يقول: إنها فُتِحَتْ صُلْحًا لا يقول: إنها مُلِكَتْ، ثم إِضَافَةُ المِلْكِ إليه على سَبِيلِ أنه المُتَسَبِّبُ إلى تحصيله، لا على معنى أنه ملكها خَاصَّةً.
ويجوز أن يُعَلَّمَ قوله: "وقسمها" وقوله بعد ذلك: "ووقفها" كلاهما بالميم؛ لأن عند مَالِكٍ أنها صارت مِلْكًا بنفس الاغْتِنَامِ، والاسْتِيلاَءِ.
ولْيُعَلَّمْ بهذا قوله في الكتاب: "ولا يملك بالاسْتِيلاَءِ" بالميم أيضاً، ويجوز إِعْلاَمُ قوله: "ووقفها وأجرها" بالواو؛ لقول من قال: إنَّهُ بَاعَهَا. وكذا قوله: "وضرب الأُجْرَة خَرَاجًا"؛ لأن ذلك القَائِلَ المَضْرُوب ثمن لا أُجْرَةٌ.
وقوله: "فلا يَصِحُّ بَيْعُ أراضي العِرَاقِ" بالحاء والواو، ولك أن ترجع من هذا المُنْتَهَى إلى لَفْظِ الكتاب في الرَّهْنِ، فتعلم قوله: "وأنه وقف" بالحاء.
وقوله: "وَقَفَهَا عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-" بالميم.
وقوله: "يملكها غيره" بالحاء والواو.
ونختم هذا الفَصْلَ الأَوَّلَ بفائدتين:
إحداهما: قال الشَّافعَيُّ -رضي الله عنه- في "المختصر": ولا أعرف ما أقول في السَّوَادِ إلا بظن مَقْرُونٍ إلى عِلْمٍ، واختلف في تفسيره:
فعن ابن سُرَيْجٍ أن المعنى كِدْتُّ أقول: إلا أنه اقْتَرَنَ به العِلْمُ، فزال الظَّنُّ وقلت: بعلم.