للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُوِي عن فَضْيلٍ الرّقاشي أنَّهُ قَالَ: جَهَّزَ عُمَرُ -رضي الله عنه- جَيْشًا وكُنْتُ فِيهمْ [فحصرنا قرية رامهرمز] (١) وكتب عَبْدٌ أمَانًا في صَحِيفَةٍ شَدَّهَا مع سَهْمٍ رَمَى بهِ إلى اليَهُودِ، فخرجُوا بأمَانِهِ، فكَتَبَ إلى عُمَر -رضي الله عنه-. فقَالَ العَبْدُ المسلمُ: رَجُلٌ من المُسْلمينَ ذِمَّتُهُ ذِمَّتُهُمْ، ويَنْعَقِدُ أيضاً بالإشَارَةِ المُفْهِمَةِ.

رُوِيَ عَن عُمَرَ -رضي الله عنه- أنَّه قَالَ: والَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، لو أَنَّ أَحَدَكُمْ أَشَارَ بِإِصْبَعِهِ إلى مُشْرِكٍ، فنزل على ذلك، فقتله لَقَتلْتُهُ (٢).

قَالَ الإِمَامُ: ولاَ فَرْقَ أنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى العِبَارَةِ، أو لاَ يَكُونَ.

ومبنى البابِ على الاتساعِ، هذا هو جَانِبُ المسلِم المُؤَمنِ.

فأمَا الكَافِرُ المؤمنُ، فلاَ بُدَّ من عِلْمِهِ وبُلُوغِ خبر الأَمَانِ إليه، فإنْ لم يَبْلُغْهُ، فلا أمَانَ، حتَّى لو ابتدر المسلم، فقَتَلَهُ جَازَ، واذَا خَاطَبَهُ بالأَمَانِ، وبَلَغَهُ الخَبَرُ فَرَدَّهُ ارتد؛ لأنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيسِ بنِ شَمَّاس أمَّن الزبير بن باطا يَوْمَ قُرَيْظَةَ فَقَتَلَهُ (٣)؛ لأَنَّهُ إِيجَابُ حَقِّ لغيرهِ، وإذا رَدَّهُ ارْتَدَّ كالإيجَابِ في الَبيْع والهِبَةِ، وإنْ قبلَ أو كانَ قَدِ اسْتَجَارَ من قبل تَمَّ الأَمَانُ، وَلاَ يُشْتَرطُ قَبُولُهُ لفظًا، بل تكفي الإشَارَةُ والَأَمَارةُ المُشْعِرَة بالقَبُولِ. فإنْ كَانَ في القِتَالِ، فينبغي أنْ يَتْرُكَ القِتَالَ، فلو سَكَتَ، فلم يَقْبَلْ ولم يَرد، قَالَ الإِمَامُ.

فيه تَرَدُّدٌ، والظَّاهِرُ أنَّه لاَ بُدَّ من القَبُولِ، وهذا (٤) هو [المذكور] (٥) في الكتاب. واكْتَفَى في "التهذيبِ" بالسُّكُوتِ، ولو قَالَ الكَافِرُ: قَبِلْتُ أَمَانَكَ، وَلَسْتُ أُؤَمِّنُكَ فَخُذْ حذرك مني [ففي "النهاية" أن هذا رَدٌّ لِلأَمَانِ؛ لأَن الأَمَانَ لا يَثْبُتُ في أحد الطرفين دون الثَّانِي] (٦): ويصح تعليق الأمان بالأَعذارِ فلو أَشَار مُسْلِمٌ إلى كافر في القِتَالِ، وانحاز إلى صَفِّ المُسْلِمِينَ وتَفَاهَمَا الأَمَانَ، فَهُوَ أَمَانٌ، فإنْ قَالَ الكافرُ: ظَنَنْتُ أَنَّه يُؤَمِّنُنِي، وقالَ المُسْلِمُ: لم أُرِدْهُ، فالقولُ قَوْلُهُ، ولا أَمَانَ، ولكنْ لا يُغْتَالُ الكافر، ويُلْحَقُ بمَأْمَنِهِ، وكذَا لو دَخَلَ بِأمَانِ صَبِيٍّ، أو مَجْنُون أو مُكْرَهٍ وقَالَ: ظننت صِحَّتَهُ أو ظننته بَالَغاً، أو عَاقِلاً، أو مختارًا، فإنْ قَال: عَرَفْتُ أنهُ لم يُرِدِ الأَمَانَ، فقَدْ دخلَ بلا أَمَانٍ، ولو قال:


(١) سقط في ز.
(٢) أخرجه سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب: والله لو أن أحدكم أشار بإصبعه إلى السماء إلى مشرك، فنزل إليه على ذلك، فقتله، لقتلته به، وروى ابن أبي شيبة [١٢/ ٤٥٣ - ٤٥٤] عن وكيع عن أسامة بن زيد عن أبان بن صالح، عن مجاهد قال قال عمر: أيما رجل من المسلمين أشار إلى رجل من العدو، إن نزلت لأقتلنك، فنزل وهو يرى أنه أمان، فقد أمنه.
(٣) في ز: يقتله.
(٤) في أ: فهذا.
(٥) في أ: الظاهر.
(٦) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>