للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَرَفْتُ أنَّهُ كَانَ صَبِيًّا، وأَنَّهُ لا أَمَانَ لِلصَّبِيِّ فكذلك.

ولو مَاتَ المُسْلِمُ المشير قبل البَيَانِ، فلاَ أَمَانَ، ولا اغْتِيَالَ.

وما ذكرنا من اعْتِبَارِ صيغة الأَمَانِ، موضعه ما إذا كَانَ الكَافِرُ يدخل بِلاَدَنَا بلا سَبَبٍ، أما إذا دخَلَ لِسِفَارَةٍ (١)، فقد مَرَّ أن الرَّسُولَ لا يُتَعَرَّضُ له، فإن دَخَلَ لِيَسْمَعَ الذِّكْرَ ويَنْقَادَ إلى الحَقِّ إذَا لاَحَ له ذلك، فكذلِكَ.

وَحَكَى الإمَامُ في قولهِ تعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة: ٦] أنه لَيْسَ المُرَادُ أنْ يعقد له أَمَاناً [لكن غَرَضَ الآية إعْلاَمُنَا أنه آمِنٌ، وقَصْدُ التِّجَارَةِ لا يفيد الأمان] (٢)، لكن لو رَأَى الإمَامُ مَصْلَحَةً في دُخُولِ التجار فَقَالَ: من دخلَ تَاجِرًا، فَهُوَ آمِنٌ جاز واتبع، ومثل هَذَا الأَمَانِ لا يَصِحُّ من الآحَادِ.

ولو قَال الكَافِرُ ظَنَنْتُ أن قَصْدَ التِّجَارَةِ يُؤَمّن فَيُغْتَالُ، ولا عِبْرَةَ بظن لا مُسْتَنَدَ لَهُ، ولو سَمِعَ واحِدًا من المسلمين يقول: من دَخَلَ تَاجِراً فَهُوَ آمِنٌ، فدخَلَ، وقال: ظَنَنْتُ صِحَّتَهُ، فأظْهَرُ الوجهين (٣) أنَّه لا يُغْتَالَ.

قال الغَزَالِيُّ: وَشَرْطُ الأَمَانِ أَلاَّ يَزِيدَ عَلَى سَنَةٍ* وَيَصِحُّ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ* وَفَوْقَ ذَلِكَ إِلَى السَّنَةِ فِيهِ قَوْلاَنِ* وَلَوْ أَمَّن جَاسُوساً أَوْ مَنْ فِيهِ مَضَرَّةٌ لَمْ يَنْعَقِدْ* وَلاَ تُشْتَرَطُ المَصْلَحَةُ بَلْ يَكْفِي عَدَمُ المَضَرَّةِ لِلصِّحَّةِ.

قال الرَّافِعِيُّ: إِنَّمَا قال: "وشرط الأَمَان"؛ لأن المُؤَمِّنَ والمُؤَمَّنَ والصِّيغَةَ التي تَكَلَّمْنَا فيها عدها في "الوَسِيط" أَرْكَاناَ على عَادَتِهِ، فلما فَرَغَ منها عَقبَهَا بما هو شَرْطُ الأَمَانِ أمران:

أحدهما: ألاَّ يزيد على سَنَةٍ، وَيجُوزُ إلى أَرْبَعَةِ أَشْهُر وفيما بينهما قَوْلاَن: أصَحُّهُمَا: المَنْعُ وحكمه حكم المُهَادَنَةِ حَيْثُ لا ضعف، والنَّظَرُ في القُوَّةِ والضعفِ يُنَاطُ برأي الإِمام، وكُلُّ واحد لا يُعْرَفُ أسبابها، وحال الأجناد.

وذكر في "البحر" أنَّهُ: لو زَادَ على سَنَةٍ، بَطَلَ في الزِّيَادَةِ على المَشْرُوعِ دُونَ البَاقِي. وفي وَجْهِ يبطل في الكلِ تخريجاً من تفريقِ الصفقة وأنه لو أطلق حمل على أربعةِ أشهرٍ ويبلغُ بعدَها المأمن.

والثاني: أَلاَّ يتضرر به المسلمُون حتى لو أَمَّنَ جَاسُوسًا، أو طَلِيعَةً، لم يَنْعَقِدْ الأَمَانُ قال الإِمام -رحمه الله-: وينبغي ألاَّ يستحقَّ التَّبْلِيغَ إلى المَأْمَنِ أيضاً؛ لأَنَّ دُخُولَ مِثْلِهِ خِيَانَةٌ فَحَقُّهُ أن يُغْتَالَ، ولو أَمَّنَ من أحاط على مَدَارجِ الغُزَاةِ، وعسر بسببه مَسِيرُ


(١) في ز: لرسالة.
(٢) سقط في ز.
(٣) في ز: الوجوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>