للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَسِيرًا بلا شَرْطٍ، فلهُ أن يغتالَهم قَتْلاً وسَبْياً، وإنْ أَطْلَقُوهُ على أنَّهُ في أَمَانٍ منهم، وأنهم في أَمَانٍ منهُ حُرِّمَ عليه اغْتِيَالُهُمْ، وإن أطلقُوه على أَنَّهُ في أَمَانٍ منهم، ولم [يستأمنوه] (١) فالمذهبُ أنَّ الجَوَابَ كذلك؛ لأنَّهُمْ إذا أَمَّنُوهُ، وَجَبَ أن يَكُونُوا في أَمَانٍ منهُ، ويُحْكَى هذا نصه في "أَمَالِي" حَرْمَلَةَ.

وعن ابنِ أبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ له أن يَغْتَالَهُمْ؛ لأنهمُ لم يَسْتَأْمِنُوه، وإذا اتبعه قَوْمٌ بعد مَا خَرَجَ، فَلَهُ قَصْدُهُمْ، وقَتْلَهُمْ في الدَّفْع بكلِّ حَالٍ، ولو أَطْلَقُوهُ، وشَرَطُوا عليه ألاَّ يخرج من دَارِهِمْ، لم يَجُزِ الوَفَاءُ بالشَّرْطِ، وعليه الخُرُوجُ، كَمَا ذَكَرَنَا، وإن حَلَّفُوهُ على إلاَّ يَخْرُجَ، فإن كان مُكْرَهًا لم يَنْعَقِدْ يَمِينُهُ، ولا كَفَّارَةَ عليه إذا خرج، ولا يَقَعُ طَلاَقُهُ، إذا حَلَّفُوهُ بالطَّلاَقِ وإنْ حَلَفَ ابْتِدَاءً من غير أن يُحَلِّفُوهُ ليثقوا به ولا يَتَّهِمُوهُ بالخروج، نُظِرَ إن حَلَفَ بعد ما أَطْلَقُوهُ، فعليه الكَفَّارَة إذَا خَرَجَ، وإنْ كَانَ مَحْبُوسًا، بعد فحلَف أَلاَّ يَخْرُجَ إذا أطلق، ففيه وَجْهان:

أحدهما: أنه يَمِينُ إِكْرَاهٍ؛ لأنَّهُ لا يمكنه الخُرُوجُ، إلاَّ به، وَهُوَ المُكْرَه، وأظهرهما وأَشْهَرْهُمَا: المنعُ؛ لأنَّهُ ابْتَدَأَ بِالحَلِفِ اخْتِيَارًا، فَلَزِمَهُ حُكْمُهُ.

قَالَ في "التهذيب": ولو قالوا: لا نُطْلِقُكَ حتى تَحْلِفَ أَلاَّ تَخْرُجَ، فحلف ألا يَخْرجَ، فَأَطْلَقُوهُ لم تلزمه الكَفَّارَة بالخُرُوج، ولو حَلَّفُوهُ بالطَّلاَقِ لم يَقَعْ، كما لو أَخَذَ اللُّصُوصُ رَجُلاً وقالوا: لا نتْركك حتى تَحْلِفَ ألاَّ تُخْبِرَ بمكاننا أَحَدًا فَحَلَفَ، ثم أَخْبَرَ بمكانهم لا يَلْزَمُهُ الكَفَّارَةُ؛ لأنَّ اليَمِينَ يَمِينُ إِكْرَاهٍ، وليكن هذا بِنَاءً على [أَنَّ] التَّخْوِيفَ بِالحَبْس يَحْصُلُ به الإِكْرَاه، وعلى الأحْوَالِ لا يَغْتَالُهُمْ؛ لأَنَّهُمْ أَمَّنُوهُ، ولو كان عندهم عَيْنُ مَالٍ لِمُسْلِمٍ، فَأَخَذَهَا عِنْدَ الخُرُوج ليردها على مَالِكِهَا، جازَ، وإنْ شَرَطُوا الأمانَ في ذلك المال، فهل يَصيرُ مَضْمُونًا عليه؟ فيه طريقان:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَى القولين فيما إذَا أَخَذَ المَغْصُوبَ من يد الغَاصِب لِيرُدَّهُ على مَالِكِهِ. وعن القَفَّالِ: القَطْعُ بالمَنْعِ؛ لأَنَّهُ لم يكنْ مَضْمُونًا على الحَرْبِيِّ الذي كَانَ في يَدِهِ، والمأخوذ من يَدِ الغَاصِبِ كان مَضْمُونًا عليه فأديم حكمه.

ولو شَرَطُوا عليه أن يَعُودَ إليهم بعد الخُرُوجِ إلى دَارِ الإِسْلاَمِ لم يَجُزْ له العَوْدُ، ولو شرَطُوا أن يعود ويبعث لهم مَالاً فِدَاءٌ، فالعود ممتنع، وأما بَعْثُ المَالِ فإن قبل الشَّرْط مُكْرَهًا فهو لَغْوٌ، وإنْ صَالَحَهُمْ عليه مُخْتَاراً فلا يَجبُ بعثه، لكن يستحبُّ [أما أنه لا يَجِبُ، فلأنه الْتِزَاِمٌ بغير حَقِّ، وأما أنه يُسْتَحَبُّ] (٢) فليعتمدُوا الشَّرْطَ، ويُطْلِقُوا الأُسَارَى، وفي سِيَرِ الوَاقِدِيِّ حِكَايَةُ قَوْلٍ أنَّه يَلْزَمُهُ بَعْثُهُ، وإلا لَمْ يثقوا يقول الأسَارَى.


(١) في ز: يشافهوه.
(٢) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>