للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: ويُحْكَى عن ابن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لا يجوزُ؛ لأنَّهُ عَقْدٌ يشتمل على أنْوَاع مِن الغَرَرِ، فلا يَجُوز مِثْلُهُ مع المسلم المُلْتَزِمِ للأحكام، وإنَّما جازَ مع الكَافِرِ لِلْحَاجَةِ، فإنَّهُ أَعْرَفُ بِطرُقِ قلاعهم.

وأيضاً فالمُسْلِم يَتَعَيَّنُ عليه فَرْضُ الجِهَادِ، والدلالةُ نَوْعُ جِهَادٍ مِنه، فلا يجوزُ له أَخْذُ العِوَضِ عليه.

والثاني: وبه قال أبو إِسْحَاقَ أنه يَجُوزُ؛ لأنَّه جَعَالَةٌ يجوز عَقْدُهَا مع الكَافِرِ، فكذلك مع المُسْلِم كَسَائِرِ الجَعَالاَتِ، وأيضاً فالحَاجَةُ تدعو إليه لاخْتِصَاصِهِ بمعرفة حَالِ القَلْعَةِ، وأيضاً فللعقد تَعَلُّقٌ بالكُفَّارِ، فيحتمل فيه الجَهَالَةُ، وإنْ جَرَى مع مسلم كشرط النَّفْلِ في البدأة والرجعة، وبهذا الوَجْهِ أَجَابَ أَصْحَابُنَا العِرَاقِيُّونَ، والأول هو المَذْكُورُ في الكِتَاب، والأَصَحُّ عند الإِمام، ورأى تَخْصِيصَ الوَجْهَيْنِ بما إذا جَوَّزْنَا استئجار المسلم عَلَى الجِهَادِ، فإن لم نجوزه لم تَصحَّ هذه المُعَامَلَةُ مع المُسْلِمِ، ولا يستحق أُجْرَةَ المِثْلِ، كما لا يستحق الجَارِيَةَ المُسَمَّاةَ، ثم في المسألة صُوَرٌ.

إحداها: إذا فتحنا القَلْعَةَ بدلالتهِ، وظَفَرْنَا بالجَارِيةِ، فَنُسَلِّمهَا إليه، ولا حَقَّ فيها للغانمين، ولا لِأهْلِ الخُمُسِ؛ لأَنَّهُ اسْتَحَقَّهَا بِالشَّرْطِ قبل الظَّفرِ، وإن دَلَّنَا على القَلْعَةِ، ولكنا فَتَحْنَاهَا بطريق آخر بغير دِلالَتِهِ، ففي اسْتِحْقَاقِهِ الجَارِيةَ وَجْهَان، نَقَلَهُمَا القاضي ابْنُ كَجٍّ ورجحَ منهما المَنْعَ، وبناهما على أن الاسْتِحْقَاقَ ثبت بنفس الدِّلالةِ ولا يستحق إلا إذا حَصَلَ الفَتْحُ بدلالتِهِ، وإنْ لم نَفْتَحِ القَلْعَةَ، نُظِرَ إن كان الشَّرْطُ مُعَلَّقًا بالفَتْحِ، فلا شَيْءَ له، وإلاَّ فقد أطْلَقَ مُطْلِقُونَ وجهين:

أحَدُهُمَا أنه يستحقُّ أجرة المِثْلِ لوجود الدلالةِ، ومنهم من لا يَتَعَرَّضُ لِأُجْرَةِ المِثْلِ، ويقول: يرضخ له.

وأَصَحُّهمَا: أَنهُ لاَ يَستحقُّ شَيْئاً؛ لأنَّ بتسليمها لا يمكن إلا بالشرط، والشرط مُقَيَّدٌ بِالفَتْح في الحَقِيقَةِ، وإن لم يَجْرِ التقييد لفظًا فَفَصَّلَ الإِمام، فَقَالَ: إن كان القِتَالُ مُمْكِنًا [والفتح متوقّعاً تَوَقُّعًا قريبًا] (١) استحق وإن لم يُتَوَقَّعِ الفَتْحُ إلا باحتمال نَادِرٍ، فالوَجْهُ القَطْعُ، بأنَّهُ لا يستحقُّ شيئاً؛ لأنَّ دِلالَتَهُ لم تقع.

وإنْ قَاتَلْنَا فلم يَحْصُلِ الظَّفَرُ، فإن قلنا: لا شيء له إذا لم نقاتل، فهاهُنَا أَوْلَى، وإن قُلْنَا: يستحقُّ هناك، فإن حَصَلَ اليَأْسُ بعد القِتَالِ، فهو كما إذا ظَهَرَ اليَأْسُ كما حصرنا القلعة لكن تَبَرَّمْنَا (٢) بالجِهَادِ، أو أزعجنا مزعج، ففيه الوَجْهَانِ. وإذا تركناها،


(١) سقط في ز.
(٢) في ز: وإلا تقدمنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>