للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم عُدْنَا إليها فَفَتَحْنَاهَا بِدلالَتِهِ، فَلَهُ الجَارِيةُ، وإن فَتَحْنَاهَا بطريقٍ آخر، فلا شَيءَ له، وفي كلِ واحدٍ من الطَّرَفَينِ وجهٌ ضعيفٌ. ولو فَتَحَهَا قَوْمٌ آخَرُونَ بالطريق التي دَلَّنَا عليه، فلا شَيْءَ له عليهم؛ لأنَّه لم يَجْرِ له معهم شَرْطٌ.

الثانية: إذا لمْ يكن في تلك القَلْعَةِ جَارَيةٌ، أو تلك الجَارِيَةُ، فلا شَيْءَ له، وقد أَخْطَأَ ظَنُّهُ، وكذا لو كانت قد مَاتَتَ قبل المُعَاقَدَةِ، وإن ماتت بعد الظَّفَرِ، وقبل التَّسْليم إليه وَجَبَ بَدَلُهَا، لأنَّهَا حَصَلَتْ في يد الإِمام وقَبْضَتِهِ، وكانَ التَّلَفُ من ضَمَانِهِ، ومنهم من جَعَلَ في وُجُوبِ البَدَلِ قَوْلَيْنِ:

وجه المنع بأن الجَارِيَةَ ليست على حَقَائِقَ الأَعْوَاضِ، وإنَّمَا وعدنا بها عِدَة نَفِي بها عند الإمْكَانِ. وقَالَ الإِمَامُ: ينبغي أنْ يُخَصَّصَ التَّرَدُّدَ بما إذَا مَاتَتْ في يد الإِمَامِ قبل التمكُّنِ من التسليم، أمَّا إذا امتنعنا من التَّسْلِيمِ مع الإِمْكَانِ؛ ليظهر وُجُوبُ البَدَلِ، فإن مَاتَتْ قبل الظَّفَرِ، فقولان:

أحدهما: أَنَّهُ يَجِبُ البَدَلُ؛ لأنَّ العَقْدَ معلَّقٌ بِها، وهي حَاصِلَةٌ، ثم تعذَّر التسليمُ، فصار كما إذا قَالَ: من رَدَّ عَبْدِي، فلهُ هذه الجَارِيَةُ، فَرَدَّهُ وقد مَاتَتِ الجَارَيةُ، يلزمه بَدَلُهَا، وسيأتي إن شَاءَ اللهُ تعالى ما يُنَازعُ في هذا الأَصْلِ أيضاً.

والثاني: أنه يَجِبُ؛ لأنه لم يحصل القُدْرَةَ عليها، فأشبه ما إذا لم يَكُنْ، وهذا أَظْهَرُ. وعند أبي إِسْحَاقَ طريقٌ قَاطِعَةٌ به حكاهَا القاضي ابنُ كَجٍّ، عن أبي علي الطَّبَرِيِّ، وأبي الحُسَيْنِ أيضاً، وإذا جمعت بين ما قبل الظَّفَرِ وما بعده، وضربت الطُّرُقَ بعضها ببعضٍ، خَرَجَ منها ثَلاَثةُ أَقْوَالٍ:

ثالثها: وهو الَّذِي رَجَّحَ الفَرْقَ بين أنْ تَمُوتَ قبل الظَّفَرِ أو بَعْدَهُ، وما الذي يجب بَدَلاً عن الجَارِيَةِ؟ بناه الإِمام على مُقَدَّمَةٍ ذَكَرَهَا في الجَعَالاَتِ، فقال: إذَا جُعِل الجُعْلُ عَيْنًا من عَبْدٍ أو ثوبٍ أو غيرهما، وتمَّم العَامِلُ العَمَلَ، والعين تَالِفَةٌ، فإما أَنْ يَكُونَ التَّلَفُ قبل إِنْشَاءِ العَمَلِ، أو بَعْدَهُ.

إن تلف قبله، نُظِرَ إنْ كَانَ عَالِماً بالتَّلَفِ فلا شَيءَ له؛ لأنَّ المُعَامَلَةَ كانت مقصورة على مِلْكِ العَيْن، فإذا أَنْشَأَ العَمَلَ عالماً بِتَلَفِهَا، كان كالمتبرِّع، وإن كان جَاهِلاً، فله أُجْرَةُ المِثْلِ، لأنَّه ليس بمتبرّع، وإنْ تلفت بعد العمل، نُظِرَ إن لم يُطَالِبهُ العَامِلُ بالتَّسْلِيمِ، فالعامل يرجع بِقِيمَةِ تلك العَيْنِ، أو بِأُجْرَةِ المِثْلِ؟

فيه قولان، بناء على أن الجُعْلَ المُعَيَّنَ مَضْمُونٌ ضَمَانَ العَقْدِ، أو ضمان اليد، وفيه قولاَن، كما في الصَّدَاقِ.

وَوَجْهُ المُشَابَهَةِ أنَّ المَنْفَعَةَ في الجَعَالَةِ فَائتَةٌ يُتَعَذَّرُ تَدَارُكُهَا، كما أن البُضْعَ بعدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>