العَقْدِ في حُكْم الفَائِتِ. قال الإِمام: ولا يبعد عندي القَطْعُ بأَنَّ الجُعْلَ يُضْمَنُ ضَمَانَ العَقْدِ؛ لأنَّهُ رُكْنٌ في الجَعَالَةِ، وليس الصَّدَاقُ رُكْنًا في النِّكَاح، وقد سَبَقَ نَظِيرُ هذا الكَلاَمِ في "الجَعَالَةِ".
وإن كان التَّلَفُ بعد المُطَالَبَةِ بالتسليم، وامْتِنَاعِ الجَاعِلِ مِن الرَّدِّ.
فإن قُلْنَا: إِنَّهُ مَضْمُونٌ ضَمَانَ اليدِ، فالحكمُ مَا مَرَّ.
وإنْ قُلْنَا: مَضْمُونْ ضَمَانَ العَقْدِ، فقد قال القاضي الحُسَيْنُ: التَّلَفُ بعد الامْتِنَاع بِمَثَابَةِ إِتْلاَفِ الجَاعِل الجُعْلَ بنفسه، حتى يَكُونَ على قَوْلٍ كالتَّلَفِ بآفة سَمَاوِيَّةٍ، فَيَنْفَسِخ العَقْدُ، وَيرْجِعُ العاملُ إلى أُجْرَةِ المِثْلِ ويكون في قول كما لو أَتْلَفَهُ أَجنَبِيٌّ، حتى يَكُونَ العَامِلُ بالخِيَارَيْنِ: الفسخ والإجازةِ.
قَالَ: وَقَضِيّةُ كَلاَمِ القاضي أن يقولَ: إذا طَالَبَ المشتري البَائِعَ بِتَسْلِيمِ المَبِيعِ، بعد تَوَفِّي الثَّمَنِ، فامْتَنَعَ وتَلِفَ المَبِيعُ، يكون الحكم كما لو أبْلَغَهُ بنفسِهِ.
وفيه احتمالٌ؛ لأن الإِتْلاَفَ لم يوجد حَقِيقَةً، واليَدُ القائمةُ يَدُ عَقْدٍ، ولذلك لا يتصرَّف المشتري [في المبيع](١) ما دام في يَدِ البَائِع، وإن وفّي الثمن، واستحقّ الانتزاع، وإذا كان كذلك، فَيَنْبَغِي أن يغلب ضمانَ العقد، حتى يُقَالَ: إن التَّلَفَ يُوجِبُ الانْفِسَاخَ، ولا يخرج على القولين في إِتْلاَفِ البائع المبيع.
إذَا تَقَرَّرَتْ هذه المقدمةُ، فَبَدَلُ الجَارِيَةِ، حيث حكمنا بوجوبه أُجْرَةُ المِثْلِ، إنْ جعلنا الجُعْلَ مَضْمُونًا ضَمَانَ العقد، وقيمتها إن جَعَلْنَاهُ مَضْمُونًا ضَمَانَ اليَدِ، فإن كَانَ التَّلَفُ بعد المُطَالَبَةِ والتمكُّن من التسليم، ففيه كَلامُ القاضي والإمام، ويَذْكُرُ بعد هذا شيئين:
أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ القولين، ما إِذَا كانت الجَارِيةُ مُعَيَّنَةً، أما إذا جرى ذِكْرُ جاريةٍ مِن القَلْعَةِ على الإِبْهَامِ، وفُرِضَ مَوْتُ من وجد فيِها من الجواري، وأوجبنا البَدَلَ، فيجوزُ أنْ يُقَالَ: الرجوع إلى أُجْرَة المِثْلِ لا مَحَالةَ؛ لِتَعَذُّرِ تَقْوِيم المَجْهُولِ، ويجوزُ أن يبنى ذلك على حَالَةِ عَدَمِ المَوْتِ، ويسلّم إليه قِيمَةُ من تسلم إليه عند الموتِ، ويشبه أنْ يُقَالَ عند عَدَمِ الموت: لم يُوجد فيها إلاَّ جَارِيَةٌ واحدة، فَتُسَلَّمُ إليه، وإنْ وُجِدَ عَدَدٌ من الجَوَارِي، وفُرِض نِزَاعٌ، فللإمام التَّعْيينُ، ويُجْبَرُ العِلْجُ على القَبُولِ؛ لأن المشروطَ جَارِيةٌ من القَلْعَةِ، وقد وجدت هذه الصِّفَةُ فِيهِنَّ جَمِيعًا، وهذا كما أن المسلَّم إليه يُعَيِّنُ ما شَاءَ من الأَعْيَانِ المَوْصُوفَةِ بأوصافِ السَّلَمِ، ويجبر المسلم على القَبُولِ.
والثاني: الأصح من القولين في الصَّدَاقِ على ما يتبيَّن في موضعِهِ، أنَّه مَضْمُونٌ