للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدِيعَةٍ أَوْ دَيْنٍ فيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ فَيْءٌ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ فِي أَمَانِهِ إِلَى أَنْ يَمُوتَ فَإنْ مَاتَ فَهُوَ فَيْءٌ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ فِي أَمَانِهِ وَإنْ مَاتَ فَهُوَ لِوَارِثهِ (الرَّابعُ) أنَّهُ فِي أَمَانِهِ إنْ عَقَدَ الأَمَانَ لِلمَالِ مَقْصُوداً وَإلاَّ فَينْتقِضُ أَيْضاً تَابِعاً لِنَفْسِهِ* وَالرِّقُّ كَالمَوْتِ* وَإنْ قُلْنَا: يَبُقَى أَمَانُهُ بَعْدَ الرِّقِّ فَلَوْ عُتِقَ رُدَّ عَلَيْهِ* وَلَوْ مَاتَ رَقِيقاً فَهُوَ فَيْءٌ إِذْ لاَ إِرْثَ مِنَ الرَّقِيقِ* وَفِيهِ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ أنَّهُ لِوَرَثَتِهِ* وَمَهْمَا جَعَلْنَاهُ لِلوَارِثِ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِلاَدَنَا لِطَلَبِهِ مَنْ غَيْرِ عَقْدِ أَمَانٍ وَهَذَا العُذْرُ يُؤَمِّنُهُ كقَصْدِ السِّفَارَةِ.

قال الرَّافِعِيُّ: إذا دَخَلَ الكَافِرُ دَارَ الإسْلاَم بِعَقْدِ أمَانٍ أو ذِمَّةٍ، كان ما معه من المَالِ والأَوْلاَدِ في أَمَانٍ، فإن شَرَطَ الأَمَانَ في المال والولد، فهو زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ، ولا أَمَانَ لما خَلَّفَهُ في دَارِ الحَرْبِ، بل يَجُوزُ اغْتِنَامُ أمْوَالِهِ هناك وسَبْيُ أَوْلاَدِهِ المخلفين.

وعن صاحِب "الحاوي": أنَّه إن قال: لك الأَمَانُ، ثبت الأَمَانُ في ذُرِّيَّتِهِ ومَالِهِ، وإن قال: لك الأَمَانُ في نَفْسِكَ، لم يَثْبُتْ في الذُّرِّيَّةِ والمالِ، وَالأَكْثَرُونَ أَطْلَقُوا الكَلاَمَ إِطْلاَقاً، وقالُوا: قد يفترق المالك والمملوكُ في حُكْم الأَمَانِ، وكذلك يقول: لو دخلَ مُسْلِمٌ دَارَ الحَرْبِ بأمانٍ فبعث على يده حَرْبيٌّ مَالاً لِشِرَاءِ مَتَاعٍ، أو لتجارة، يكون ذلك المال في أَمَانٍ، حتى يجب رَدُّهُ إليه، وإن لم يكن المَالِكُ في أمَانٍ، فكذلك لو بعثه على يد ذِمّيِّ دخل دَارَ الحَرْب بأمَانٍ وعن حكاية الربيع قول: إنَّهُ لا يكون في أمَانٍ؛ لأن أَمَانَ الذِّمِّيّ لا يصلح، والظَّاهِرُ الأول، ووجه بأن الحربي اعْتَقَدَ صِحَّةَ الأمان لماله، فَوَجَبَ ردهُ إليه، ولو دخلَ حربي دَارَنَا بأمَانٍ أو عَقْدٍ ذِمَّةٍ، أو لرسالةِ، ثم نَقَضَ العَهْدَ، والتحق بدَارِ الحَرْبِ. ومن أَسْبَابِ النَّقْضِ أن يعود إليها لِلتَّوَطُّنِ والإقَامَةِ، فلا يسبى أولادُهُ المَتروكون عندنا، وإنْ مات الأب، فإذا بَلَغُوا وقَبلُوا الجزيةَ تُرِكُوا، وإلاَّ بَلَغُوا المَأْمَنَ، وما خَلَّفه عندنا من وَدِيعَةٍ ودَيْنٍ من جهة قَرْضٍ أَو غيره، فكلُّ ذلكَ في أَمَانٍ، ولا يجوزُ التَّعَرُّضُ له ما دام حَيّاً، ووجه ذلك بأن نفسه وأَمْوَالَهُ وَأَوْلاَدَهُ جميعاً كانت في أَمَانٍ، وإنما ارْتَفَعَ الأَمَانُ عن نَفْسِهِ لِنَقْضهِ العَهْدَ والتحاقِه بِدَارِ الحَرْبِ، فيبقى في الوَلَدِ والمالِ، هذا ظَاهِرُ المذهبِ وقطع به بَعْضُهُمْ، [ووراءه وجهان:] (١)

أحدهما: أَنَّهُ يَنْتَقِضُ الأَمَانُ في ماله كما انْتَقَضَ في نفسه؛ لأنَّ المَالَ كان تَبَعاً، فإذَا انْتَقَضَ الأَمَانُ في المالك تَعَذَّرَ بَقَاؤهُ في المِلْكِ.

والثاني: أنَّهُ إن لم يَتَعَرَّضْ لِلأَمَانِ في ماله يَحْصُلُ الأَمَانُ فيه تَابِعاً للنفس، [فيتبعه في الارتفاع] (٢) أيضاً، وإن ذَكَرَهُ في الأَمَانِ لم يرتفع عنه بارتفاعه عن النفس، وذَكَرَ


(١) في ز: ورواه وجهين.
(٢) في ز: فينبغي الاتباع فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>