للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإمَامُ تفريعاً على الظَّاهِرِ، وهو بَقَاءُ الأَمَانِ في أحوالهِ المُخَلَّفَةِ أن للكافر أن يدخل دَارَ الإِسْلاَم [من غير] (١) تَجْدِيدِ أمان لتحصيل تلك الأَمْوَالِ، والدخول له يُؤَمِّنُهُ كالدخول لِلسِّفَارَةِ، وسماع كَلاَمِ الله -تعالى- ولكن ينبغي أن يعجل في تحصيل غَرَضِهِ، ولا يُعَرِّجَ على أَمْرٍ آخر، وكذا لا ينبغي أن يكرر العود، ويستصحب في كل مَرَّةٍ بَعْضَ المَالِ، إذَا لم يتمكَّن من الاسْتِصْحَابِ دُفْعَةً وَاحِدَةً، فإن خَالَفَ تَعَرَّضَ للقتل والأَسْرِ.

وهذا الذي ذُكِرَ مَحْكِيٌّ عن ابن الحَدَّادِ. وقال غيرهُ من الأصحابِ: ليس له الدُّخُولُ، وثبوتُ الأَمَانِ في المَالِ لا يُوجِبُ ثُبُوتَ الأَمَانِ في النفس.

وإنْ قُلْنَا: لا ينبغي الأَمَانُ فيما خلف، فيكون [فَيْئاً؛ لأنه] (٢) مَالُ كَافِرٍ مظفور به، من غير إِيجَافِ خَيْلِ، ولاَ رِكَابٍ.

قَالَ الإمَامُ: وإنَّما يحصل الخِلاَفُ في الأموالِ المخلفةِ، بعد الْتِحَاقِهِ بدار الحرب، فأما إذ فَارَقَ الأَمْوَالَ، ولم يَلْتَحِقْ بها بعد، فالوجه بَقَاءُ الأَمَانِ في الأموالِ، ويحتمل أن يُطْرَدَ الخِلاَفُ، فإذا نَبَذَ المُسْتَأَمَنُ إلينا العَهْدَ، فلا بد من تَبْلِيغِهِ المَأْمَنَ، ولا يتعرَّض لما يَسْتَصْحِبُهُ من الأموالِ، بلا خلاف، هذا حكم ما خَلَّفَ من الأمول في حَيَاتِهِ، فإذا ماتَ هناك أو قُتِلَ، وفَرَّعْنَا على ظاهر المذهَبِ، وهو بَقَاءُ الأَمَانِ فيه في حَيَاتِهِ، فقولان:

أحدهما: وقد نَصَّ عليه في "المُخْتَصَرِ" وفي "سير الوَاقِدِيِّ" واخْتَارَهُ أبو إِسْحَاقَ أَنَّهُ يَكونُ فَيْئاً؛ لأنَّه انْتَقَلَ إلى الوَارِثِ، ولا أَمَانَ له، وأَطْلَقَ المزنيُّ لفظ الغَنِيمَةِ عليه تَوَسُّعاً.

وأَصَحُّهُمَا: عَلَى ما ذكر في "التهذيب" وقد نَصَّ عليه في كتابِ "المُكَاتِب"، وبه قال أَحْمَدُ، واخْتَارَهُ المزني، أنَّهُ لا يَكُونُ فَيْئاً يصرف إلى وَارِثهِ، لأنَّهُ كان في أمَانٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، والأَمَانُ حَقٌّ لاَزِمٌ يتعلق بالمَالِ، فينتقل إلى الوَارِثِ بحقوقِه.

وعن ابن خَيْرَانَ حمل النصين على حَالَيْنِ؛ حيث قال: "يَصِيرُ فَيْئاً" أراد إذا ما عَقَدَ الأَمَانَ لنفسه، ولم يتعرض لوارثه، [وحيث قال: "يصرف إلى الوَارِث " أراد ما إذا عَقَدَ الأَمَانَ لنفسه، وبعده لوارثه] (٣) فإن (٤) لمْ يكُنْ لَهُ وَارِثٌ، فهو فَيْءٌ لاَ مَحَالَةَ بلا خِلاَفٍ.

وعن أبي حنيفةَ: إذا مات هناك، أو قتله حَرْبِيٌّ، يُرَدُّ المَالُ إلى ورثته وإن قَتَلَهُ مسلمٍ، فَمَا كانَ دَيْناً على الناسِ يَسْقُطُ عنهم، وما كانَ عَيْناً يَصِيرُ فَيْئاً.

ولو ماتَ المُسْتَأْمَنُ عندنا، ففي ماله طَرِيقَانِ:


(١) سقط في ز.
(٢) سقط في ز.
(٣) سقط في ز.
(٤) في ز: وإن.

<<  <  ج: ص:  >  >>