للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإِمام: ولا أظنهم شَرَطُوا أوْصَافَ الاجْتِهَادِ المعتبرة في المُفْتي، ولعلهم عَنَوْا التهدِّي إلى طَلَب الصَّلاحَ، وما فيه النظر للمسلمين وهو قَوْلهُ في الكتاب: "بصيراً بِمَصَالحِ القِتَالِ"، ويكره أن يكون الحكم حسنَ الرأي في الكُفَّارِ.

ويجوز أن ينزلوا إلى حُكم اثْنَيْنِ، أو على حكم من يَخْتَارُهُ الإِمام، أو من يَتَّفِقُونَ عليه مع الإِمام؛ لأنَّ الإِمام لا يَرْضَى إلاَّ من يصلح للحُكمِ، ولا يجوزُ أن يَنْزِلُوا على حُكْمِ من يَخْتَارُونَهُ، إلاَّ إذا وَقَعَ التَّعرضُ لِلصِّفَاتِ المشروطة، ولو اسْتَنْزَلَهُمْ على أن يحكم فيهم بكتاب الله -تعالى- كُرهَ ذلك؛ لأنَّ هذَا الحُكْمَ ليس مَنْصُوصاً عليه في كتاب الله- تعَالَى- فيحصل منه (١) اخْتِلاَفٌ واضطرابٌ، هكذا ذَكَرَهُ الرُّوَيانِيُّ في "البحَر"، وذكر صاحبُ "التهذيب": أنَّه لو اسْتَنْزَلَهُمْ على أن ما يقضي الله تعالى فيهم يُنَفِّذُهُ لم يجز؛ لأنَّهُمْ لا يعرفُون حُكْمَ اللهِ تَعَالى.

ورُوِي عن بُرَيْدَةَ -رضي الله عنه- أنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "وَإِنْ حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ، فأرادوك أن تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْم اللهِ -تَعَالَى- فَلاَ تُنْزلْهُمْ عَلَى حُكْم اللهِ -تَعَالَى- ولكن أَنْزِلهُمْ عَلَى حُكْمِكَ، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللهِ فِيهِمْ أَم لاَ (٢)؟ ".

وإذا نَزَلُوا على حكم اثنين، فينبغي أن يَتَّفِقَا في الحُكْم، فإنْ اخْتَلَفَا لم ينفذ، إلا أن تَتَّفِقَ الطَّائِفَتَانِ على حُكْم واحدٍ، وإن مات أحدهُما، أو نزلوا على حكم [واحد، فمات قبل أن يحكم، أو نَزَلُوا على حُكْمَ] (٣) من لا يجوز حكمه ردوا إلى القلعة إلى أن يرضوا بحكم حَاكِمٍ في الحال.

ولا يَجُوزُ للحاكمِ أن يَحْكُمَ إلا بما فيه الحظّ للمسلمين من القَتْلِ والاسْتِرْقَاقِ والسَّبْي والمنّ والفداء.

وحكَى الروياني وَجْهاً: أنَّهُ لا يَجُوز أن يحكم بالمَنِّ على جَمِيعِهِمْ، واستغربه.

ولو حَكَمَ بما يُخَالِفُ الشَّرْعَ كقتل النِّسَاءِ والذَّرَارِي لم ينفذ، ولو حَكَمَ بقتل المُقَاتلة، وسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ، وأَخْذِ الأموالِ جاز، وكذلك فَعَلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ -رضي الله عنه-.

وتكونُ أموالُهُم غَنيمَةٌ؛ لأنَّهَا مَأْخُوذَةٌ بالقَهْرِ.

وإن حَكَمَ باسترقاقِ من أَسْلَمَ منهم، وقتل من أَقَامَ منهم على الكُفْرِ، أو باسترقاقِ من أَسْلَمَ، ومن أقام على الكفر جاز، ويُنَفَّذُ حُكْم الحَاكِمِ على الإمَام، حتى لا يجوز أن يزيد على حُكْمِهِ في التشديد، ويَجُوزُ أن ينقص ويسامح، وإذاَ حَكَمَ بغير القَتْلِ لم


(١) في ز: فيه.
(٢) مسلم [١٧٣١] بهذا وأتم منه.
(٣) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>