للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلام أيضاً وإذا حكم بالإرقاق فأسلم المَحْكُومُ عليه قبل الإِرْقَاقِ، ففي "الوَسِيطِ " بناؤه على أنَّ الرِّقَّ هو فوق القتل؟

إن قُلنَا: لا، جَاز إِرْقَاقُهُ، كما قبل الإِسلام.

وإن قلنا: نعم، لم يجز والأشبه الجَوَازُ؛ لأنَّهم نَزَلُوا على حكمِهِ، وقد حُكِمَ بالإرقاق والإسلام لا يمنع الإرقاق الذي كان جائزاً (١)، كما سيأتي إن شاءَ اللهُ تعالى.


(١) لما كان الأرقاء ليسوا سوى أسرى حرب لهم صفة خاصة بهم فإنا نذكر ما جاءت به الشريعة الإسلامية نحو الرقيق ومن يعلم معاملة في الإِسلام -إن أول ما حصل الأسر في الإِسلام كان في غزوة بدر الكبرى فقد أسر المسلمون فيها نحواً من سبعين رجلاً فاستشار الرسول صلوات الله عليه أصحابه في أمرهم لأن الوحي لم يكن نزل بأحكام في شأنهم فأشار عمر -رضي الله تعالى عنه- بقتلهم لأنهم أئمة الكفر وصناديد المشركين. وأشار أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- بأخذ الفداء منهم ليكون المال قوة للمسلمين على أعدائهم، ولعل الله بعد إطلاقهم يهديهم إلى الإِسلام فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- برأي أبي بكر وأخذ الفداء منهم فعاتب الله نبيه على ذلك بقوله تعالى {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} ثم نزلت بعد ذلك أحكام في شأن الأسرى، وهم الرجال المقاتلون من الكفار كان فيها اختلاف الفقهاء فذهب الإِمام الأعظم -رحمه الله- إلى أن الإِمام مخير في الأسرى بين ثلاثة أشياء -القتل، أو الاسترقاق، أو تركهم أحراراً ذمة للمسلمين إلا مشركي العرب والمرتدين فإنه يجب قتلهم ما لم يسلموا ولا يجوز استرقاقهم- وقال مالك رحمه الله تعالى: يكون الإِمام مخيراً بين ثلاثة أشياء: -القتل أو الاسترقاق أو المفاداة بالرجال دون المال وذهب الإمامان أحمد، والشافعي رحمهما الله إلى أن الإِمام مخير فيهم بيْن أربعة أشياء: الْقَتْلُ والمن بغير عوض، والفِداء، والاسترقاق وخالفه الإِمام أحمد الإِمام الشافعي -رحمه الله-. فمن هذا يرى أن من بين فقهاء المسلمين من أجاز للإمام المن على الأسرى بغير فداء يتبع في ذلك ما يرى فيه المصلحة العامة للمسلمين -ولم يحدثنا التاريخ ان إماماً من أئمة المسلمين أمر بقتل الأسرى- اللهم إلا من كان يخشى خطره عليهم كما فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيمن قتلهم من أسرى بدر ويوم فتح مكة ممن اشتدت عداوتهم أو تكاثر إيذائهم للمسلمين.
ولقد أمر الإسلام على لسان نبيه صلوات الله عليه بحسن معاملة الأسرى والرفق بهم -قال ابن إسحاق: حدثني نبيه بن وهب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أقبل بالأسارى من بدر فرقهم بين أصحابه وقال استوصوا بالأسارى خيراً. قال: فكان أبو عزيزِ بن عمير أخو مصعب بن عمير. قال: فقال أبو عزبز مر بي أخي مصعب بن عمير وَرَجُلٌ من الأنصار يأسرني فَقَالَ شُدَّ يَدكَ به فَإنَّ أُمَّهُ ذَاتَ مَتاعِ لعلها نفد به منك، قال وكنت في رهط من الأنصار، حِيْنَ أَقْبَلُوا بي من بدر فكانوا إذا قدموا غَذاءَهُم أَو عشاءهم خَصونِي بِالخبز وَأَكَلُوْا التَّمْر لِوَصِيَّةِ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- إِيَّاهُم بنَا مَا يَقَع في يَدِ رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها قال: فأستحي فأرَدُّهَا عَلَى أَحَدِهِمْ فَيَرُدُّهَا عَلَيَّ مَا يَمَسُّهَا.
وروي بن إسحق أيضاً أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أراد أن ينزع ثنيتي سهيل بن عمرو من أسرى بدر فمنعه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال له لاَ أُمَثّلُ بِهِ فَيُمَثِّلُ اللهِ بِي وَإنْ كُنْتُ نَبِيّاً.
وقد أحاط الإِسلام الرقيق بسياج العطف وشمله بالرحمة فأمر السيد أن يعامل رقيقه بالحسنى، =

<<  <  ج: ص:  >  >>