للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكِتابِ، وجماعةٍ، وبالأول أجابَ الشَّيْخُ أبُو حَامِدٍ في خِلاَلِ الاحْتِجَاجِ في مَسْأَلَةٍ أخرى، وكذلك فعل صاحبُ "المُهَذّبِ" (١).

وقال في "التهذيب" بعد حِكَايَةِ القَوْلَيْنِ: فإن كانَ لِلْمَجْنُونِ أَدْنَى تَمْيِيزٍ وَللسَّكْرَانِ قَصْدٌ، حَلَّتِ الذَّبيحَةُ وينبغي أنْ يُرَتَّبَ السَّكْرَانُ على المَجْنُونِ، ويبنى أَمْرُهُ على الخلاف المشهور؛ في أَنَّ السَّكْرَانَ كالصَّاحِي، أو كالمَجْنُونِ، وأَما الصَّبِيُّ الممييز فتحلُّ ذَبيحَتُهُ لِصِحَّةِ قَصْدِهِ.

وفيه وَجْهٌ آخَرُ، وربما شبه الخِلاَفُ بالخلافِ؛ في أنَّ الصَّبِيَّ هل لهَ عَمَلٌ؟

والظَّاهِرُ في حقه الحِلُّ بالاتفاق. وتَحِلُّ ذَبِيحَةُ الأَعْمَى، وتكرهُ ذَكَاتُهُ؛ لأَنَّهُ قد يُخْطِئُ المَذْبَحُ، وفي اصْطِيَادِهِ بالرَّمْيِ والكلبِ وَجْهَان:

أحدهُمَا: أنَّهُ يعتبر ويَحلُّ الصيد -كما يعتبر ذَبْحُهُ، ويُحْكَى عن أبي إِسْحَاقَ المَنْعُ؛ لأنَّهُ ليس له قَصْدٌ صَحِيحٌ، فصار كما لو اسْتَرْسَلَ الكَلْبَ بنفسِهِ. هكذا أطلق الوَجْهَيْنِ مُطْلِقُونَ، والأشبه أنَّ الخِلاَفَ مَخْصُوصٌ بما إذا دَلَّهُ بَصِيرٌ على أن بِحِذَائِهِ صَيْداً، فرمى، أو أَرْسَلَ الكَلْبَ إليه بدلالتهِ، وفيه صور صاحبُ "التهذيبِ"، ووجه الحل: أَنَّهُ فَعَلَ ما فعل بدلالةِ بَصِيرٍ، فَأشْبَهَ ما لو دَلَّهُ على القِبْلَةِ. قال: وَالمَذْهَبُ: المَنْعُ، بخلافِ القِبْلَةِ؛ لأنَّ التَّوَجُّهِ يسقط بالأَعْذَارِ، ويجوز بِنَاءُ الأَمْرِ فيه على الاجْتِهَادِ، بخلافِ الصيدِ، وكذلك صور المُوَفَّقُ أَبُو طَاهِرٍ في "شرح الجُوَيني" لكنه أَجَابَ بالحِلِّ.

وفي "البحر" طرِيقَةٌ قاطعةٌ بالمنع (٢)، وهي التي أَوْرَدَهَا ابْنُ الصَّبَّاغِ، والأشهر إِثْبَاتُ الخِلاَفِ فِي اصْطِيَادِ الصبي والمجنونِ (٣) بالرَّمْي بالكلب، ومنهم من خَصَّصَهُ بِإرْسَالِ الكَلْبِ، وقطَعَ الحِلَّ في رَمْي السَّهْمِ تَنْزِيلاً له مَنْزِلَةَ الذَّبْحِ بالسكين، وسيأتي مِثْلُ هذا الفَرْقِ من بَعْدُ إنْ شَاءَ اللهُ تعالى.

وقد بَانَ من المسائِل المذكورة أَنَّ المُرَادَ من قوله: "أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً" التَّمْييزُ على ما فيهِ من الخلاف.

وقوله:"وتحلُّ ذَبِيحَةُ الصَّبِيِّ المميزِ، والأعمى، وفي اصطياده بالرَّمْي والكلب وَجْهَان" كذا هو في بَعْضِ النُّسَخِ، وهو المُوَافِقُ لإيراد "الوسيطِ"، وعلى هَذا فَلْيَعلَّمْ


(١) قال النووي: الأظهر: الحل.
(٢) أطلق الصبي وقال النووي شرح المهذب: الخلاف في صبي لا يميز، أما المميز فيحل اصطياده بالكلب والسهم قطعاً كالذبح، ويحتمل مجيء الوجه السابق في دم الحل.
(٣) قال الخطيب: وقول الروضة وأصلها أن الوجهين في الأعمى يجريان في اصطياد الصبي والمجنون لا يلزم منه الاتحاد في الترجيح وإن جرى ابن المقري على الاتحاد قاله في مغني المحتاج.

<<  <  ج: ص:  >  >>