للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الرافعي: فيه مسألَتَانِ:

إحداهُمَا: إذا أَرْسَلَ سِلاَحَهُ من سَهْمٍ وسَيْفٍ وغيرهما، أو كَلْبَهُ المُعَلَّمَ على صيدٍ، فأصابهُ ثم أدرك الصيد حَيّاً، نُظِرَ إنْ لم يَبْقَ فيه حَيَاةٌ مستقرَّةٌ بأن كان قد قُطِعَ حُلْقُومُهُ ومريئه، أو أجَافَهُ، أو خَرَقَ أمْعَاءَهُ، فيستحبُّ أنْ يُمِرَّ السِّكِّينَ على حَلْقِهِ لِيُريحَهُ، فإن لم يَفْعَل وتَرَكَهُ حتى مَاتَ فهو حَلاَلٌ كما لو ذَبَحَ شَاةً، فاضْطَرَبَتْ أو عَدَتْ، وإن بَقَيتَ فيها حياة مستقرة فَلَهُ فيهَا حَالَتَانِ:

إحداهما: إذا تَعَذَّرَ ذَبْحُهُ من غير تَقْصِير من الصَّائِدِ، فهو حلال أيضاً، كما لو لم يُدْرِكْهُ حَيّاً.

والثانية: إذا لم يَتَعَذَّرْ ذَبْحُهُ، وتَرَكَهُ حتى مات، فهو حَرَامٌ، كما لو تَرَدَّى بَعِيرٌ من شَاهِقٍ، ولم يَذْبَحُهُ حتى مَاتَ، وكذا الحُكْمُ لو كَانَ التَّعَذُّرُ تَقْصِيراً من جِهَتِهِ، من قَبِيلِ الحَالَةِ الأُولَى أن يَشْتَغِلَ بأخذ الآلةِ وسَلِّ السكينِ، فَمَاتَ قبل أن يمكنه الذَّبْحُ.

ومنه: أن يمتنعَ بما فيه من بَقِيَّةِ قُوَّةٍ، وَيَمُوتَ قبل القُدْرَةِ عليه.

ومنه: ألاَّ يَجِد من الزمانِ ما يمكن الذَّبْحُ فيه.

وعن أبي حنيفةَ: أنَّهُ لا يَحِلُّ؛ لأنَّهُ صار مَقْدُوراً عليه، فَيَتَعَلَّقُ حِلُّهُ بالذبح.

ومن قبيل الحالةِ الثانية ألاَّ يَكُونَ معه مُدْيَةٌ، وآلَةٌ يذبح بها، وإِنْ تَرَك اسْتِصْحَابَ آلةِ الذبح تقصيراً منه، وإنْ سقط وتَضَيَّعَ منه، فإنْ تَرَكَهَا مُتَقَلْقِلَةٌ [فِي الغِمْدِ] (١) تقصيراً منه، ولوَ وَجَدَهَا بعد ما ضَاعَتْ، وماتَ الصَّيْدُ في مدةِ الطَّلَبِ، فهو حَرَامٌ.

ومنه: إذا نَشبَتْ في الغِمْدِ، فإنَّ حَقَّهُ أنْ يستصحبَ الآلَةَ في غِمْدٍ يُوَاتِيهِ، وعن أبي عَلِيٍّ بن أبي هُرَيْرَةَ، وصاحبِ "الإفصاحِ" أنَّهُ يعذر ذلك، ويحل الصَّيْدُ، ويروى هذا عن مالكٍ، ويروى عنه أَيْضاً أنَّهُ يُعْذَرُ بنسيان المُدْيَةِ.

ومنه ما إذا غُصِبَتْ مُدْيَتُهُ، فَأصَحُّ الوَجْهَيْنِ، وهو المذكورُ في الكتاب أنه يحرم؛ لأَنَّهُ وَقَف على حَيَوَانٍ فيه حَيَاةٌ مستقرَّةٌ، ولم يذبحه، ولو كان هذَا عُذْراً، لكانَ عُذْراً في الحَيَوَانَاتِ الأهْلِيَّةِ.

والثاني: يحلُّ، ويُعْذَرُ بذلك، كما لو لمْ يَصِلْ إلى الصَّيْدِ لِسَبُعٍ حَائِلٍ حتى مات.

وفرق القاضي الرُّوَيانِيُّ بين الصُّورَتَيْنِ بأنْ قَالَ: غَصْبُ السِّكِّينِ عَائِدٌ إليه، ومنع [السَّبُعِ] (٢) عَائِدٌ إلى الصَّيْدِ، وذكر أَنَّهُ لو اشْتَغَلَ بِطَلَبِ موضعِ الذَّبْحِ فلم يَجِدْهُ حتى


(١) سقط في ز.
(٢) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>