للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّهْمُ، ووقع على الأرض حَلّ، وأن وقع على غُصْنٍ، أو أَغْصَانٍ، ثم وقَعَ على الأَرْضِ لم يحِلَّ، وليسَ الانْصِدَامُ بالأَغْصَانِ، أو بأَحْرُفِ الجَبَلِ عند التَّدَهْوُرِ من أعلاه كالانْصِدَامِ بالأرضِ، فإنَّ ذلكَ الانصدامَ ليسَ بلازمٍ ولا غالبٍ، والانصدامُ بالأرض لاَ بُدَّ منه. وللإمام احْتِمَالٌ في الصَّورَتَيْنِ لكثرةِ وقوع الطُّيُورِ على الأشجار، والانصدامِ بأطْرَافِ الجَبَلِ، إذا كان الصَّيْدُ في الجَبَلِ.

فلو رَمَى إلى طير الماء، نُظِرَ إِنْ كَانَ على وجه الماء، فَأصَابَهُ فمات، حلّ، والمَاءُ له كالأرضِ، وإنْ كانَ خَارج الماءِ، ووقعَ في المَاءِ بعدما أصابَه السَّهْمُ، ففيه وَجْهَانِ منقولاَنِ عن "الحَاوي".

أحدُهمَا: أنَّهُ حَرَامٌ؛ لأنَّ المَاءَ بعد الجَرْحِ يعين على التَّلَفِ، وهذا ما يُوجَدُ في "التهذيب".

والثاني: يَحِلُّ؛ لأنَّ المَاءَ لا [يُغرقهُ] (١)؛ ولأنَّهُ لا يفارق المَاءَ غالباً، ووقُوعُهُ في المَاءِ كَوُقُوعِ غيرهِ على الأَرْضِ، وهذا ما يَشْتَمِلُ عليه "شَرْحُ مختصرِ الجويني".

وإن كان الطَّائِرُ في هواء البَحْرِ، ففي "التهذيب" أنَّهُ يُنْظَرُ إن كانَ الرَّمْيُ في البَرِّ لم يحِلَّ، وإنْ كانَ في البَحرِ في السَّفِينَةِ حَلَّ.

وجميعُ مَا ذَكَرْنَا فيما إذا لم ينته الصَّيْدُ بتلك الجراحة إلى حالة حركةِ المذبوح، فإنْ انتهى إليها بِقَطْعِ الحُلْقُوم والمريء، أو غيره فقد تَمَّتْ ذَكَاتُهُ، ولا أَثر لم يعرض بعد ذلك.

وقولُهُ في الكتاب: "ولو ماتَ بِسَهْمٍ أو بَنْدَقَةٍ، أو انْصِدَامٍ" يعني: أو مَاتَ بِسَهْمٍ، وانْصِدَام، وكذَا في باقِي الأَمْثِلَةِ، ثم في بعض النُّسَخ: "أو انصدامِ بالأرضِ"، وفي بعضِها "بالعُرْضِ" فعلَى الأَوَّلِ المعنى: إذَا مات الصَّيْدُ بالسَّهْم مع ضَمِيمَةٍ من الضَّمَائِم المذكورةِ، فهوَ حَرَامٌ، إلاَّ إذا كانَتْ الضَّمِيمَةُ الانْصِدَامَ بالأرض، فيعفَى عنه وعلى الثاني: المراد عُرْضُ السَّهْمِ على ما بَيَّنَّا ورَوَيْنَا الحديث في صَيْدِ المِعْرَاضِ.

[فرع] عن "التهذيب": لو أَرْسَلَ كَلْباً في عُنُقِهِ قِلاَدَةٌ مُحدَّدَةٌ، فجرحَ الصَّيْدَ بها حَلَّ، كما لو أَرْسَلَ كَلْباً وسَهْماً فَأصَابَهُ، وقَدْ يفرق بأنَّهُ قَصَدَ بالسَّهْمِ الصَّيْدَ، ولم يقصده بالقِلاَدَةِ (٢).

قال الغَزَالِيُّ: (الثَّالِثُ: جَوَارحُ الحَيَوَانِ) وَالكَلْبُ المُعَلَّمُ كَآلَةِ الذَّابِحِ فَتَحِلُّ فَرِيسَتُهُ* وَالمُعَلَّمُ هُوَ الَّذِي يَنْزَجِرُ بِزَجْرِ صَاحِبِهِ وَيَسْتَرسِلُ بِإرْسَالِهِ وَلاَ يَأْكُلُ مِنْ فَرِيسَتِهِ* وَهَلْ يُشْتَرَطُ انْزِجَارُهُ بِزَجْرِهِ بَعْدَ اشْتِدَادِ عَدْوِهِ بِإرْسَالِهِ وَحِدَّتِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ* وَلْيَتَكَرَّرْ مِنْهُ تَرْكُ


(١) في ز: يعوقه.
(٢) ورجح الشيخ في شرح المهذب ما قاله البغوي، وعلل ذلك بأن القصد لا يشترط في الذبح.

<<  <  ج: ص:  >  >>