للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مختارٍ، وفي "التَّهْذِيب" وغيره أنَّ عند أبِي إِسْحَاقَ: تحل الشاةُ في صورة وقُوعِ السكِّينِ مِنْ يده، ولا شكَّ أن الصيدَ في مَعْناه، فيجوزُ أن يُعْلَمَ لذلك قولُه في الكتاب "فحرام" بالوَاوِ، ويمكن أن يُعْلَمَ بالحاءِ؛ لأنه يُرْوَى عن أَبِي حَنِيفَة: أنَّه إِنْ كان فيَ الأُحْبُولة سِلاَحٌ فجرح الصيْدِ يحلّ، لكنْ قَالَ الرُّوَيانِيِّ في "البَحْر" عندي: لا تَصحُّ هذه الحكايةُ عَنْه، ولو كان مَنْ في يَدِه الحديدَةُ فحرّكَها، والشاةُ أَيْضاً تحك حَلْقها بالحديدَةِ فحصلَ الانقِطاعُ بالحركتينَ فهي حرامٌ أيضاً؛ لأنَّ الموت حَصلَ بشركةِ الذابحِ والبَهِيمَةِ.

واعترض الإمامُ: بأنَّ مَنْ أَضْجع شاةً ليذبحها وأمرَّ بالسَّكِّينِ على حلقها فإنه يضطربُ المذبح، والاضطرابُ له أثرٌ (١) في القطْعِ، وقليلاً ما تخلو الذبائِحُ (٢) عنه، فلو أثَّرَ ذلك لحرمَ (٣) مُعظم الدبائح.

وأجابَ بأن الشاةَ المضْبُوطة إذا مَسَّها حَد السكين يحبس الحلقوم فإنَّ كُلَّ حَيَوانٍ أَصَاب عضواً منه مؤلم انْزَوَى وتحرك عنه، وهذه الحركةِ لا تُؤَثِّرُ في الانقطاعِ، إنما الكلامُ في الاحْتِكَاك والحركة في استقبالِ الحديدة، ووراء ما ذكرنَا في الفصلِ مَسْأَلتَّان:

إِحدَاهُمَا: إذا اسْتَرْسَلَ الكَلْبُ بنَفْسِهِ؛ وقَتَل صَيْداً -فهو حرامٌ (٤). مُعَلَّماً كانَ أَوْ لم يكن، واحتجَّ لَهُ [بما روِيَ] بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قيّدَ تَجْويزَ الأكْلِ بالإرسالِ، فقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذا أَرْسَلتَ كَلْبك المُعَلَّمَ فكُل وإن أكَل الكلبُ" (٥)، والصورةُ هذه من الصيد لم يقدَحُ ذلك في كونه (٦) مُعَلَّماً بلا خلافِ، وإنَّما يعتبرُ الامساكُ إذا [أرسله] (٧) صاحِبه، ولو أن صاحِبَ الكلب زَجَرَه لَمَّا اسْتَرسَلَ (٨)، فانزَجر ووقَفَ ثم أَغْراهُ فاسْتَرسْلَ، وقتل الصيدَ -حَلَّ بلا خِلاَفٍ، وإن لم يَنْزَجِرْ ومَضَى على وجْهِه، لم يحل الصيدُ سواءٌ زاد عَدْوه وحِدَّتُه أو لم يزدْ ولو لم يزجُرْهُ بل أَغْرَاه، فإن لم يزِدْ عَدْوَه وحِدّتُه لم يُؤَثِّرْ إِغراؤُه وحَرُمَ الصيدُ، وإنْ زادَ عدْوُه فوجهان:

أَحدُهما: يحلُّ الصيدُ الذي قتلَه، وبه قال أبُو حَنِيفةَ وأَحْمدُ؛ لأَنَّه قد ظهرَ أثرُ الإغْرَاءِ فيُقْطع الاسترسَالُ، ويَصِيرُ كأنَّه جرَح بإغراءِ صَاحِبِه. وأَقْوَاهُما: المنعُ؛ لأنَّهُ اجَتمع الاسترسالُ المحرمُ والاغراءُ المبِيحُ -فيغلبُ التحريم.


(١) في ز: يؤثر.
(٢) في ز: البهائم.
(٣) في ز: تحرم.
(٤) بالإجماع، وبه قال ربيعة ومالك وأبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر، قال العبدري هو قول الفقهاء كافة وقال الاصم: يحل، قال ابن المنذر وعطاء والأوزاعي: يؤكل إن كان إخراجه للصيد.
(٥) تقدم.
(٦) في ز: بكونه
(٧) في ز: أمسكه.
(٨) في أ: اشترك.

<<  <  ج: ص:  >  >>