للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: إذا أَلْجَأهُ إلى مَضِيقٍ لا يقدِرُ على الإِفْلاتِ منه -ملكه، وذلكَ بأنْ يدخلَهُ في بيت ونحوه، وقد يردُّ جميعَ ذلك إلى شيءٍ واحدٍ، ويجعلُ سببَ مِلْكِ الصيْدِ هو إبطالُ امتنَاعِهِ، وحصولُ الاستيِلاءِ عليه، وذلك يحصلُ بالطرِيقِ المذكُورِ، ثم في الفَصْلِ صورٌ.

إِحْدَاهَا: لو توحَّلَ الصيْدُ بمزرعتِه، وصارَ مقدورًا عليه -ففيهِ وجهَان:

أحَدَهُمَا: أنَّهُ يملِكُه كما لو وقعَ في الشَّبَكَةِ، وأظهرهُما المنعُ؛ لأنَّه لم يَقصِدْ بسقي الأَرْضِ الاصْطِيادَ، والقصد مرعي في التملك (١) قال الإمامُ: وهذا الخِلاَفُ فيمَا إذا لم يكنْ سَقْيُ الأَرْضِ مما يُقْصدُ به توحُّلُ الصيدِ وتعلقها، وإن كان يَقْصدُ فهو كنصبِ الشَّبكَةِ ولم يتعرّضِ الرُّويانِيُّ لمزرعَةِ الشخْصِ.

قال الغَزَالِيُّ: أمَّا لَوْ تَوَحَّلَ بِمَزْرَعَتِهِ أَوْ وَقَعَ فِي دَارِهِ أوْ عَشَّشَ الطَّائِرُ فِي دَارِهِ لَمْ يُمْلَكْ بِمُجَرَّدِهِ عَلَى الأَظْهَرِ لَكِنْ هُوَ أَوْلى مِنْ غَيْرِهِ كَالمُتَحَجِّرِ* فَإِنْ أَخَذَ غَيْرُهُ مِنْ مِلْكِهِ فَهوَ كَمَنْ أَحْيَا مَا تَحَجَّرهُ غَيْرُهُ* وَإِنْ قَصَدَ مِنْ بِنَاءِ الدَّارِ تَعْشِيشَ الطَّائِرِ فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ لاَ يَعْتَادُ* وَلَوْ وَقَعَتْ مِنْهُ الشَّبَكَةُ فَتَعَقَّلَ بِهَا الصَّيْدُ فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ وَإِنَّمَا الملْكُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ القَصْدِ وَالْعَادةِ* وَلَوِ اضطرَّهُ إِلَى مَضِيقٍ لاَ مُخَلِّصَ لَهُ عَنْهُ مَلَكَهُ* وَإِن اضْطَرَّ السَّمَكَةَ إلى بِرْكةٍ وَاسِعَةٍ فَهُوَ كَالمَتْجَرِ* وإنْ كَانَتْ ضَيِّقَةً ملَكَ.

قال الرَّافِعِيُّ: ولو توحَّلَ الصيدُ عند طلبهِ في طِين لم يملِكْهُ؛ لأنَّ حُصُولَ الطين ليس مِنْ فِعْلِه، ولو كانَ هو الذي أَرْسَل الماءَ في الأرْضِ -ملكه؛ لأنَّ الوحَلَ حصلَ بفعْلِه فهو كنصْبِ الشبكةِ ويشبُه أن يرجعَ هذا إلى ما ذكرَهُ الإمامُ مِنْ قَصْدِ الاصطيادِ بالسَّقْيِ.

الثانيةُ: لو وقَعَ الصَّيْدُ في مِلْكِه وصارَ مَقدُورًا عليه أو عَشَّشَ الطائِرُ في دارهِ (٢) وباضَ وفرخَ وحصلتْ القُدْرَة على البيْضِ والفَرْخِ: فهل يملكها صاحبُ الدَّارِ؟ فيه وجهان: حالهُما ما ذكَرْنَا في الصورةِ الأُولَى، والخِلافُ راجعٌ إلى أنَّه هل يُعْتبر القصْدُ؟ والظاهِرُ: اعتبارُهُ، وبه أجابَ في "التَّهْذِيب" وقال: لو حَفَرَ حُفْرةً لا للصيدِ، فوقعَ فيها صَيْدٌ لَمْ يملِكَهُ، وإنْ حَفَر للصيدِ مَلَكَ ما وقعَ فيه، ولو أَغْلَقَ بابَ الدَّارِ لِئَلاَّ يخرجَ مَلَكَهُ.

وحكَى الإمامُ عن الأَصْحَاب: أنَّا إذَا قُلْنَا: إِنَّ صاحبَ الدار لا يملِكُه، فهو أَوْلَى بتملُّكِهِ وليسَ لغيرهِ أنْ يَتَخطَّى ملكَه ويأخذه، وإن فعل، فهل يملِكُه؟ فيه وَجْهَان مُرَتَّبَانِ على الوجْهَيْنِ فيما إذا حَجز مَوَاتًا وأحياه غيرُه، هل يملِكُه؟ وهذه الصورةُ أَوْلى بثبوت


(١) في ز: التمليك.
(٢) في ز: ملكه.

<<  <  ج: ص:  >  >>