للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجوع إذا لم يستو، ثم إذا عاد قبل الانتصاب فهل يسجد للسهو؟ حكى الشيخ أبو حامد وأصحابنا العراقيون فيه قولين:

أظهرهما: عندهم أنه لا يسجد؛ لأنه روي في حديث المغيرة أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "وإنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَتِمَ قَائِماً جَلَسَ، وَلاَ سَهْوَ" (١)، ولأنه عمل قليل، فلا يقتضي سجود السهو.

والثاني: وبه قال أحمد واختاره القاضي أبو الطيب أنه يسجد، لما روي أن أنساً - رضي الله عنه- "تَحَرَّكَ لِلْقِيَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ فَسَبَّحُوا بِهِ فَجَلَسَ، ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ" (٢) ولأن ما أتى به زيادة من جنس الصلاة، فأشبه ما إذا زاد ركوعاً، وقال كثير من الأصحاب: إن صار أقرب إلى القيام منه إلى القعود ثم عاد سجد السهو، وإن كان يعد أقرب إلى القعود، لم يسجد، ويحكى هذا عن القفال أيضاً، ووجهه: أنه إذا صار إلى القيام أقرب فقد أتى بفعل يغير نظم الصلاة، ولو أتى به عمداً في غير موضعه لبطلت صلاته، فيقتضي سهوه السجود، وهذا كالتوسط بين القولين، وحمل للقولين على الحالين، وذكر في "النهاية" هذه العبارة، وزاد أنه لو عاد من حد يكون نسبته إلى القعود كنسبته إلى القيام لا يسجد أيضاً، وذكر عبارة أخرى عن الشيخ أبي محمد وآخرين وهي: أنه لو عاد قبل أن ينتهي إلى حد الراكعين فلا يسجد، وإن عاد بعد أن ينتهي إلى حد الراكعين يسجد؛ لأنه زاد ركوعاً سهواً، وهذه العبارة هي التي ذكرها في الكتاب، وليس المراد من حد الركوع هاهنا أقل الركوع؛ فإن المرتفع إذا انتهى إلى حد أقل الركوع فقد جاوز أكمله، وزاد ركوعاً، ولم يبلغه فهو في حد الراكعين أيضاً، نص عليه في "النهاية"، وهذا الخلاف في الوجه الذي حكيناه عن بعضهم في تفسير الانتصاب، حيث يعتبر أقل الركوع؛ لأن النظر ثم إلى الحصول في حد فرض القيام والعبارة الأولى أوفى بالغرض، فإن الثانية لا تجزى إلا إذا انتهض منحنياً، ومن الجائز أن لا ينحني في انتهاضه فيحتاج إلى الرجوع إلى العبارة الأولى، وهما متقاربتان، وليستا على التنافي، بل من قال بالأولى قال: بأنه إذا انتهى إلى حد الراكعين وعاد يسجد للسهو، ومن قال بالثانية سلم بأنه إذا عاد بعد ما صار أقرب إلى القيام من غير انحناء يسجد، وليكن قوله: (ثم يسجد [للسَّهْوِ] (٣)) معلماً بالواو لمكان طريقة القولين المطلقين في العود قبل الانتصاب، والظاهر التفصيل، وبه أجاب صاحب "التهذيب" والروياني في "الحلية" وجميع ما ذكرناه من الحالتين في ما إذا ترك التشهد الأول، ونهض ناسياً، فأما إذا فعل ذلك عمداً، ثم عاد قبل الانتصاب والاعتدال فإن عاد بعدما


(١) انظر التلخيص (٢/ ٤).
(٢) أخرجه البيهقي (٢/ ٣٤٣).
(٣) سقط في "ب".

<<  <  ج: ص:  >  >>