للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصحهما: الوجوب، ولو لم يرجع بطلت صلاته؛ لأن متابعة الإمام فرض، ولم يورد صاحب "التهذيب" الأوجه الوجوب، ثم قطع إمام الحرمين بأن في صورة قصد القيام ليس له أن يعود، كما لو ركع قبل الإمام، أو رفع رأسه قبله عمداً لا يجوز أن يعود، ولو عاد بطلت صلاته؛ لأنه زاد ركناً عمداً، ولو فعل ذلك سهواً كما لو سمع حساً فظن أن الإمام ركع فركع، ثم تبين أنه لم يركع بعد، أو ظن أنه اعتدل عن الركوع فاعتدل، ثم بَانَ أنه لم يعتدل بعد، فقد ذكر في "النهاية" وجهين في أنه هل يجوز له أن يرجع؛ لأنه غالط فيما فعل، وصاحب "التهذيب" وآخرون حكوا الوجهين في هذه المسألة في وجوب الرجوع أيضاً، وقالوا في وجه: تبطل صلاته لو لم يرجع، وفي وجه: يتخير بين أن يرجع أو لا يرجع وهو الأصح، وللنزاع في سورة قصد القيام أيضاً مجال ظاهر؛ لأن أصحابنا العراقيين أطبقوا على أنه لو ركع قبل الإمام عمداً فينبغي أن يرجع ليركع مع الإمام فاستحبوا الرجوع فضلاً عن الجواز، وربما تعود المسألة في باب الجماعة.

وقوله: (لم يعد إلى التشهد) معلم بالألف والواو لما قدمنا، وكذا قوله: (بطلت صلاته) وقوله في الجاهل: (لم تبطل) معلم بالواو.

الحالة الثانية: أن يتذكر قبل الانتصاب، فقد نص الشافعي -رضي الله عنه- على أنه يرجع إلى التشهد، وحكى الروياني خلافاً للأصحاب في أنه ما الذي أراد بالانتصاب؟ فمنهم من قال: أراد الاعتدال والاستواء، ومنهم من قال: أراد به أن يصير إلى حالة هي أرفع من حد أقل الركوع، والأول ظاهر اللفظ وهو الذي ذكره الجمهور، ويدل عليه حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-، وبالثاني فسر المسعودي كلام الشافعي -رضي الله عنه- وبه قال الشيخ أبو محمد، وهذا الاختلاف يرجع إلى شيء وهو أن من قام في صلاته منحنياً فوق حد أقل الركوع هل يجزئه ذلك أم لا؟ فيه وجهان حكيناهما في ركن القيام، فمن قال: لا يجزئه وهو الأصح قال، هاهنا: له أن يعود، ومن قال: يجزئه قال: إذا صار في ارتفاعه إلى هذا الحد لا يعود؛ لأنه حصل في حد الفرض.

وقوله في الكتاب: (فيرجع) معلم بالميم؛ لأن عند مالك إن كان إلى الانتصاب أقرب لم يرجع، وعن ابْنِ المُنْذِر عنه أنه إذا فارقت إليتاه الأرض لم يرجع، وبالحاء؛ لأن عند أبي حنيفة إن كان إلى القيام أقرب لم يعدد، ذكره القدوري (١)، ويجوز أن يعلم بالواو أيضاً؛ لأن مراده من الانتصاب الاستواء، ومن ذهب إلى التفسير الثاني لا يطلق


(١) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>