للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحدُهما: في الأَكْلِ مِنَ الوَاجِب منها، فكُلُّ [هَدْيٍ] (١) وَجَبَ ابتداءً من غَيْرِ التزَامٍ كدمِ القِرَانِ والتمتُّعِ ودِمَاءِ الجبراناتِ فَي الحجِّ -لاَ يجوزُ الأَكْلُ منه.

وعند أَبِي حَنِيْفَةَ: يجوزُ الأكْلُ مِنْ دَمِ التَّمتع والقِرَانِ وقال مَالِكٌ: يجوزُ الأكْلُ منها إلاَّ من فِدْيةِ [الأَذَى] (٢)، وجزاء الصيد.

لنا أنها كفاراتٌ فلا يجوزُ للمكفِّرِ الانتفاعُ بها؛ كسائر الكفاراتِ فلو أكل منها شَيْئًا -غَرِمَهُ، ولا يجبُ إراقةُ الدمِ ثانياً وفيما يَغْرَمُ، ثلاثةُ أَوْجُهٍ:

أظهرها (٣): ويحكى عن نصِّه -رضي الله عنه- في القديم أنه يَغْرَمُ قيمةَ اللَّحْمِ، كما لو أَكَلَهُ أو أتْلَفَه غيرُه.

والثاني: أنه يلزَمُ مِثْلَ ذلك اللحم؛ لأنه لو أَتْلَفَ الشاةَ التي عيَّنها لما عليه، أو أتلف الهدْيَ -لزمه مِثْلُه، فكذلك إذا أتلف بعضَه لَزِمَهُ مِثْلُه.

والثَّالِثُ: عليه أن يشترِيَ شِقْصاً من حيوانِ مِثلِه، ويشاركه في الذبح؛ لأن ما أكله أَبطَلَ إِرَاقَةَ الدمِ فيه، فصار كما إذا ذبح وكل الجمِيعَ يلزَمُه دَمٌ آخر.

وأما الملتزِمُ بالنذْرِ من الضحايا أو الهدَايَا، فإنْ عيَّن بالنذْرِ عما في ذمَّته حَلْقٍ أو تَطَيُّبِ أو غَيْرِهما -شاةً، لَمْ يَجُزْ له الأكلُ منها إذا ذبحها؛ كما لو ذبح شاةً بهذه النيَّةِ من غَيْر نَذْرٍ.

واحتجَّ له الشيخُ أَبُو عَلِيّ بأنه أَخْرَجَهَا عن الواجب في ذمته، فليس له صَرْفُ شَيْءٍ منها إلى نَفْسِه؛ كما إذا أَخْرَجَ الزكاةَ وإن نَذَرَ نَذْرَ مُجَازَاةٍ فمات، [فإن] (٤) علَّقَ التزام الأُضْحيةِ أو الهَدْيِ بشفاءِ المرِيضِ، وقُدُومِ الغَائِبِ، وغَيْرِهما -لم يَجُزِ الأكْلُ منها.

واحتجَّ له بأنه وجب على سبيل المُجَازاةِ والمُعَاوَضَةِ فأشبه جزاءَ الصيْدِ، وقضيةُ ما أَطْلقوه -والحالةُ هَذهِ أَلاَّ يفرق بين أن يكونَ الملتزَمُ مُعَيَّناً أو مُرْسَلاً في الذمة، ثم يذبح عنه، وإن أطلق الالتزامَ ولم يعلِّقْه بشيء، وفرَّعْنَا على أنه يلْزَمُ الوفاءُ؛ وهو الأظهرُ، فيُنْظَرُ.

إنْ كان الملتزَمُ معيَّناً كما إذا قال: للهِ عليّ أن أضحّي بهذه أو أهدي هذه ففي جوازِ الأكْلِ قَوْلاَنِ أَوْ وجهانِ بناءً على أن النذورَ تحمل على أَقَلِّ ما أوجبَ الله تعالى من ذلك النوع، أو على أَقَلِّ ما يُتَقَرَّبُ به إليه.

فإن قُلْنا بالأول، لم يجز الأكلُ منها؛ كالهدْيِ الواجب بالشرع.


(١) سقط في ز.
(٢) في ز: الأداء.
(٣) في ز: أحدها.
(٤) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>