للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن قلنا بالثاني، فيجوزُ؛ كما لو ضَحَّى بشاةٍ وقد توجه المنعُ من غير بناءً بأنه دم واجبٌ فأشبه دِمَاءَ [الجبراناتِ] (١).

والثَّانِى: بأنه متطوِّعٌ بالتزامه فأجرى عليه حكم المتطوع به. وفيه وجْهٌ ثالثٌ: وهو الفرقُ بين أن ينذِرَ الأُضْحيةَ فيجوز الأكلُ منها أو الهدْيَ فلا يجوزُ؛ حملاً لكل واحدٍ منهما على المعْهُودِ الشرْعِيّ.

ومِنْ هذا القبيل ما إذا قال: جعلتُ هذه الشاةَ ضحيةً من غير تقدم نذر والتزام وإن التزَمَ في الذِّمَّةِ ثم عيَّن واحدةً عما عليه، فهل يجوزُ الأكلُ منها إذا ذبحها؟

ترتب ذلك على المعيَّنةِ ابتداءً إن لم نجوِّزُ الأكْلَ هناك فهاهنا أَوْلَى.

وِإنْ جَوَّزْنَاه فهاهنا قولانِ أَوْ وجهان.

والفرقُ أن ما في الذمةِ آكدُ؛ ألا تَرَى أنه إذا عيَّن عنه واحدةً فهلكت -لم تبرأْ ذِمَّتُه والمعيَّنةُ ابتداءً إذا هلكت تبرأُ ذِمَّتُه، وأيضاً فإن ما يثبت في ذمتِه يثبت لغيره، وما لا يتعلق بالذمَّةِ لا يبعد أنْ يكُونَ هو فيه كغيْره هكذا فَصَّلَ حُكْمَ الأَكْلِ في الملتزمِ بالنذْرِ [كثيرُون من مُعْتَبِري] (٢) الأَئِمّةِ وهو الأَثْبَتُ.

وقولُه في الكتاب: "وفي جَوَازِ الأَكْلِ من المنذُورَةِ وجهان" يقتضي ظاهِرُه التسويةَ بين نَذْرِ المُجَازَاةِ وغيرِه، وبين الملتزم المعيَّن والمرْسَلِ، ولذلك أطلقَ جماعةٌ، وبالمنْع قال أَبُو إسحاقَ، وذكر المحَامِلِي: أنه المذهبُ، والجوازُ هو اختيارُ الإمامِ والقفَّالِ، وفي "العُدَّةِ" أنه المذهبُ ويشبه أن يتوسط [فيرجح في المعين] (٣) الجوازَ، وفي المرسل المنْعَ سواءٌ عَيَّنهُ عنه ثم ذبح المعيَّن، أو ذبح بلا تَعْيِينٍ؛ لأنَّه عن دَيْنِ في الذِّمةِ كجبرانَاتِ الحجِّ وإلى هذا ذهب "صَاحِبُ الحَاوِي" وعليه ينطبق سِيَاقُ الشيخ أبِي عَلِيّ. وحيثُ قلْنا: لا يجوزُ الأكْلُ من المنذُورِ فإنْ أكل فَفِيمَا يغرم الوجوهُ الثلاثةُ المذكورَةُ في [الجبرَانَات] (٤) وحيثُ قُلْنا: يجوز. قال في "التهذيب": كَمْ يأْكُل؟

فيه قولانِ يأتي ذِكْرهما في أُضحية التطوّعِ، ولك أن تقولَ ذلك الخلاف في القدْرِ المُسْتحب أَكْلُه، ولا يبعد أن يُقال: لا يُسْتحبَّ؛ الأَكْلُ، وأقلُّ ما في تركهِ: الخُروجُ من الخلاف. والفُصْلُ الثَّاني: في الأَكْلِ من الأُضْحية والهدْيِ المتطوَّعِ بهما، وهو جائِزٌ بل مُسْتحب.

قال الله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: ٢٨] وروي عن


(١) في ز: الحيوانات.
(٢) في ز: ليس من.
(٣) في ز: فرجح بالمعين.
(٤) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>