للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَابرِ -رضي الله عنه- أن عَلِيًّا -كرم الله وجهه- قَدِمَ ببدنٍ من اليمن وساق النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- مائةَ بدنَةٍ فنحر منها ثَلاَثاً وسِتِّين بيده ونحر عليٌّ -رضي الله عنه- ما بقي ثُمَّ أمر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُؤْخَذَ بِضْعَةٌ من كُلِّ بدنةٍ، فتجعل في قِدْرٍ فأَكَلا من لحمِهَا وحَسَيَا من مَرَقِهَا وكان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مُتَطَوِّعاً (١) بها.

وليس للمُضَحِّي والمهدِي أن يتلف شيئاً منها، بل إمَّا أن يُطْعِمَ وإمَّا أن يَطْعَمَ، ولا يجوزُ بَيْعُ شيءٍ منهما ولا أن يُعْطِي الجزَّارَ شيئاً أُجْرةً له بل مُؤْنَةُ الذبْحِ على المُضَحِّي والمُهْدِي كمؤنة الحصاد.

وروي عن علي -كرم الله وجهه- أنه قال: أَمَرنِي رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أَنْ أَقُومَ على بَدَنةِ وأُقَسْمَ جُلُودَها وجلاَلَها، ولا أُعْطِي الجازِرَ منها شَيْئاً (٢).

ويجوزُ أَنْ يُعْطَى منها شيئاً؛ لفَقْرِه أو يُطْعَم إن كان غَنِيّاً، ولا يجوزُ تَمْلِيكُ الأَغْنياء مِنْها، وإن كان يجوزُ إِطْعَامَهم كما يُطْعَمُ الضَّيْفُ.

ويجوزُ تملِيكُ الفقراءِ؛ ليتصرَّفوا فيه بالبيْعِ، ونحوه بل لو أصْلَحَ الطعامَ ودعا إليه الفُقَراءَ فَقَدْ قال الإمامُ: الذي ينقدِحُ عندي إذا أَوْجَبْنا التصدقَ بشيْءٍ أنه لا بُدَّ من التَّمْلِيكِ كما في الكَفَّارَاتِ، وهذا ما أطلَقَهُ القاضي الرُّوَيانِي في "البَحْر" فقال: لا يجوزُ أن يَدْعُوَ الفقراءَ ليأكلُوا مَطْبُوخاً؛ لأن حَقَّهُم في تملُّكهِ لا في أَكْلِه، وإِنْ دفع مَطْبُوخاً -لم يَجُزْ بل يفرِّقُه نَيّاً، وقد شبه المطبوخ بالخبز في الفطرة.

وقولُه في الكتاب: "ولا يجوزُ تملِيكُ الأغنياءِ البيعَ": كلمةُ "البيْع" تذكر في مِثْلِه للإيضاح، وفي لفظ "التَّمْلِيك" ما يُغْنِي عنه.

وقولُه: "ويجوزُ تمليكُ [الفقير] (٣) للبيع" وقد عرفت أنه لازمٌ فَضْلاً عن كونه جَائِزاً، واقتصر هاهنا على ذِكْر الجوَازِ في مقابلة نفي الجوَازِ في تمليك الأغنياءِ، وأما لزومُه فقد ذكره مِنْ بَعْدُ مُفَرَّعاً على وُجُوبِ التصدُّقِ بشَيء، كما ذكره الإمامُ.

وفي الفصْلِ مَسْأَلتانِ:

إحْدَاهُمَا: هَل يُشْتَرطُ التصدُّقُ بشيء، أم يجوزُ أَكْلُ الجميع؟ فيه وَجْهان:

أَحدُهما: لا يشترطُ، ويجوز أَكْلُ الجمِيع، وبه قال أَبُو العَبّاسِ بنُ سُرَيْجٍ، وابن القَاصِ والاِصْطَخْري، وابْنُ الوَكِيل: أنه يجُوز أكلُ أكثرِهَا، فيجوزُ أَكْلُ جمِيعِهَا،


(١) أخرجه مسلم من حديث تقدم في الحج.
(٢) أخرجه البخاري [١٧٠٧ و ١٧١٦ و ١٧١٧ و ١٧١٨ و ٢٢٩٦، مسلم ١٣١٧].
(٣) في ز: الفقراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>