للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هكذا ذكر في "الوَسِيط" ويجوزُ أَنْ يُقَدَّرَ أنه قصد ذِكْرَ أحدٍ القَوْلَيْن، وتركَ الثاني.

وقولُه: "ثم الأَحْسَنُ التصدقُ بالجمِيع، والتبرُّكُ بأَكْلِ لُقْمة". فيه معنى الاستثناءِ، أَي التَّصدُّق بالجمِيع سِوَى لُقْمةِ يتبرك بأَكْلها، وإلاَّ فالتصُّدقُ بالجمِيعِ، وأَكْلُ البعْضِ لا يجتمعانِ.

وقولُه: "ويتَأدَّى كَمَالُ الشّعارِ بكَذَا" يريدُ أنه الدرجةُ المرضِيّة المُسْتَحبّة، ويجوزُ أَنْ يكُونَ فَوْقَها ما هو أَحَبُّ مِنْها، وهذا كما يُقال في تَسْنبِيحات الركُوع والسُّجُودِ: الأفْضَلُ كذا، وأَدْنَى الكمالِ كَذَا.

وقوله: "التصدُّقُ بالثلثِ، ويأْكُلُ الثلثَ، ويدَّخِرُ الثلثَ" نذكر فيه أَوَّلاً حُكْمَ الادِّخَارِ، ثُمَّ تعودُ إلى ما يتعلَّقُ بالكتاب خاصَّةً.

أَمَّا الأولُ: قال العلماءُ: كان ادخارُ الأُضْحية فوقَ الثلاثِ مَنْهِيّاً عنه، ثم أَذِنَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فيه لَمَّا رَاجَعُوهُ. وقال: "كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ مِنْ أَجْلِ الدَّافّة وَقَدْ جَاءَ اللهُ تَعَالَى بِالسَّعَةِ فَادَّخِرُوا مَا بَدَا لَكُمْ" (١).

والدَّافَّةُ: جماعةٌ كانوا قد دخلوا المدِينَة قد أَفْحَمَتْهُم السَّنَةُ في البادِيَةِ، فأرادوا أَنْ يُوَاسُوهم، ويَتَصدَّقُوا عليهم.

والدَّفِيفُ: سَيْرٌ فيه سُرْعَة وتَقَاذُفُ (٢) خُطًى ويُقَالُ: هو السَّيْرُ اللَّيْنُ تقول منه: دَفَّ يَدِفُّ. وقيل: الدَّافَّةُ: النَّازِلَةُ، ودَفَّ القومُ بموضِع كذا؛ أَيْ: نزلوا والمشهورُ أن النهيَ أَوَّلاً كان نَهْيَ تَحْريمٍ.

وعن "صاحب الإِفْصَاح" أنه يحملُ على [الإرْشَادِ] (٣) وَالاِسْتِحْبَابِ وذكروا تَفْرِيعاً على الأول وَجْهَيْن: في أَنَّ ذَلك التحريمَ كان عاماً ثم نُسِخ؛ إذ كان مَخْصُوصاً بتلك الحالَةِ الحادِثَةِ، فلمّا انتهت انتهى التحريمُ.

ووجْهِيْن تَفْرِيعاً على الثاني: في أنه لو حَدَثَ مِثْلُ ذلك في زَمَانِنَا وبِلاَدِنَا، هل يُحْكَمْ بالتحرِيمِ؟

والظاهِرُ أنه لا يُحَرّمُ اليومَ بمالٍ. وأمَّا مَا يتعلَّقُ بالكتابِ فما تعرض له مِنْ الإدِّخَار


(١) أخرجه مسلم من حديث عائشة قالت: دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى، في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ادخروا ثلاثاً، وفي رواية: لثلاث، ثم تصدقوا بما بقي، فلما كان بعد ذلك قالوا: يا رسول الله إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم، ويجملون منها الودك، فقال: إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفنت، فكلوا، وتصدقوا.
(٢) في ز: وتقارب.
(٣) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>