للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُرْوَى أَن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- كان يَأْكُلُ من كَبِدِ أُضْحِيَته (١).

وعن عَلِيٍّ -كرم اللهُ وجهه- أنه قال في خُطْبتهِ بالبصرة: إِنَّ أَمِيرَكُمْ هذا قَدْ رَضِيَ مِنْ دُنْيَاكُم بطمرية، وأنه لا يأْكُلُ اللحْمَ في السَّنَةِ إلا الفَلْذَةَ مِنْ كَبِدِ أُضْحِيَتِه (٢).

وعن "الحَاوِي" أن أَبَا الطَّيبِ بْنَ سَلَمةَ قال: لاَ يَجُوزُ أَنْ يتصدَّقَ بالجميع ولا بُدَّ وأن يأكل شيئاً، وفي القدْرِ الذي يستحب ألاَّ ينقصَ التصدُّقُ عنه قولان:

القدِيمُ: أنه يأْكُل النِّصْفَ ويتصدَّقُ بالنصْفِ؛ لقوله تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: ٢٨] جعلها على قِسْمَيْنٍ واختلفوا في التعيِين على القول الثاني، فنقَلَ ناقِلُون عن الجدِيدِ: أنه يأكلُ الثلثَ، ويتصدقُ بالثلثِ؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: ٣٦] جعلها على ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ.

وفسّر مُفسِّرون القانِعَ: بالذي يَسْأَلُ، يُقالُ: قَنَعَ قُنُوعاً إذا سأل، وقَنِعَ قَنَاعَةً: إذا رَضِيَ بما رزقه الله تعالى.

والمُعْتَرُّ: الذي يُعَرِّضُ بالسُؤالِ، ويحُومُ حَوْلَه.

وروى آخروُنَ أنه يَأْكُلُ الثلثَ، ويهدي للأغنياءِ والمتجملِينَ الثلثَ، ويتصدق بالثُّلثِ. وهكذا حكاه الشيخ أَبُو حَامِدٍ في التعْلِيق ثم قال: ولو تصدَّقَ بالثلثَيْن -كان أَحَبَّ، ويُشْبه ألاَّ يكونَ في الحقِيقَةِ اختلافٌ، ولكن مَنِ اقْتصر على التصدُّقِ بالثلثَيْن ذكر ما هو الأَحَبّ، أو توسَّعَ فعدَّ الهديةَ من الصدَقَةِ ولكن عن "صاحِب الحَاوِي": أنه في الحِكَايةِ عن القَدِيم جعل الهديةَ من حيز الأَكْل فقال على القدِيم: يأكَلُ ويهدِي النصْفَ، ويتصدق بالنصف وهذا يخالِفُ عَدَّ الهديةَ من الصدقة.

والمفهومُ مما أجروه أن الهديةَ لا تُغْنِي عن التصدق بشيْءٍ إذا أَوْجَبْناه وأنها لاَ تحسب من القَدْرِ الذي يُسْتَحبُّ التصدُّقُ به، ويجوزُ صَرْفُ القدْرِ الذي لا بُدَّ منه إلى مِسْكِين وَاحدٍ بخلاف الزكاة (٣).

وقولُه في الكتاب: "وقِيلَ يَجِبُ قِيمةُ النِّصْفِ" يريدُ أو الثلثَ بناءً على الخِلاَفِ في أنه بكَمْ يتصدَّقُ؟


(١) تقدم في صلاة العيدين.
(٢) قال الحافظ: لم أجده، وقال ابن الصلاح في الكلام على الوسيط: إن صح فمعناه أنه رضي بثوبيه الخلقين.
(٣) فإنه لا يجوز صدقة إلى أقل من ثلاثة، والفرق أنه يجوز هنا الاقتصار على جزء يسير بحيث لا يمكن صرفه إلى أكثر من واحد. قاله المصنف في (شرح المهذب ٨/ ٤١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>