للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَعَلَّهُ وَلَدُ الضَّبِّ، وَالجَرَادُ حَلاَلٌ، وفِي الصَّرَّارَةِ تَرَدُّدٌ، وَتَشْبِيهُهَا بِالخُنْفَسَاءِ أَظْهَرُ، وَفِي القُنْفُذِ وَجْهَانِ، وَمَا أَشْكَلَ مِنْهُ فَيُرْجَعُ فِيهِ إِلَى العَرَبِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: من الأصول المرجوع إليها في التحليل والتحريم: الاستطابة والاستخباث، ورآه الشَّافعيُّ -رضي الله عنه- الأصْلَ الأعظم والأعم؛ ولذلك افتتح به الباب، والمعتمد فيه قولُه تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} وليس المرادُ من الطَّيِّب هاهنا الحلالَ، وإن كان قد يرد الطيب بمعنى الحلال؛ لأنَّ العمل عليه يخرج الجواب عن الإفادة، قال الأئمة: ويبعد الرجوع إلى طبقات الناس، وتنزيل كل قوم على ما يستطيبون ويستخبثون؛ لأنه يوجب اختلاف الأحكام في الحلال، والحرام، وذلك يخالف موضوعَ الشَّرْع في حمل الناس على متبوعٍ واحدٍ، ورأوا العرب أَوْلَى الأُمم؛ بأن يؤخذ باستطابتهم واستخباثهم؛ لأنهم المخاطبون أولاً، ولأن الدِّيْنَ عربيٌّ والنَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- عَرَبِيٌّ، وهم جيل لا يَغْلِب عليهم العيافة الناشئة في التنعُّم، فيضيِّقوا المطاعم على الناس، وإنما يرجع من العرب إلى سكان البلاد والقرى، دون أجلاف أهل البوادي الذين يتناولون ما دَبَّ ودرجَ من غير تمييز، ويعتبر عادة أهل اليسار والثروة، دون المحتاجين وأصحاب الضرورات، وحالة الخصب والرفاهية دون حالة الجدب والشدة، وذكر جماعةٌ؛ أن الرجوع إلى عادة العرب الذين كانوا في عهْد النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لأن الخطاب كان لهم، ويشبه أن يُقَالَ: يُرْجعَ في كل زمان إلى العرب الموجودين فيه؛ يدل عليه أن أبا عاصم العباديَّ حَكَى عن الأُستاذ أبي طاهر الزياديِّ في العُصَارى (١)، وهو نوع من الجراد يَضْرِب إلى السواد، وله شَبَهٌ من الخَنَافِس: أنه قال: كنا نراه حراماً، حتى ورد علينا الأُستاذ أبو الحَسَنُ الماسرجسيُّ، فقال: إِنَّهُ حلال، فبعئنا منه جراباً إلى البادية، وسألنا عنْها العرب، فقالوا: هذا هو الجراد المبارك.

وإذا اختلف المرجوع إليهم، فاستطابته طائفةٌ، واستخبثته أخرى، واتَّبعنا الأكثرين، فهذا استوت الطائفتان، فعن "الحاوي" وذكره أبو الحسن العباديُّ أيضاً: أنه يتبع قريش؛ لأنهم قُطْب العرب، وفيهم النبوة، فإن اختلفت قريش أو لم يحكموا بشيء، اعتبرنا بأقرب الحيوان شبهاً به، والشبه يكون تارة في الصورة، وأخرى في طبع الحيوان من السلامة والعُدوان، وأخرى في طَعْم اللحم، فإن تساوى الشبهان أو لم نَجِد ما يشبهه، ففيه وجهان سيأتي -إن شاء الله تعالى- نَظِيرهما.


(١) وزاد الدميري بعد حكايته ما حكى المصنف قوله .. فرجعوا إلى قول العرب ينظر: حياة الحيوان ٢/ ١٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>