يَحِلَّ له التناول؛ فإنه غير مفيد، ولا خلاف في الحِلِّ، إذا كان يَخاف على نفسه الهلاكَ، لو لم يأكل، إمَّا من نفس الجوع أو من غيره؛ بأن يخاف، إذا لم يأكل من أن يضعف عن المشي أو عن الركوب، وينقطع عن الرفقة ويضيع، وإن كان يخاف من ترك الأكل حدوثَ مرضٍ يخيف جِنْسُه، فهو كخوف الموت، وإن كان يخاف منه لطوله وتماديه (١)، ففي حل الأكل وجهان أو قولان:
أشبهُهما: أن الجواب كذلك، ووجْه الفرق أن المرض، إذا طالت مدته وتمادى، لم يبعد معالجته، بخلاف ما يهجم من الأمراض الحادة ويعسر علاجه، ويقرب مِنْ هذا الخلافِ ما في "التهذيب" وتعليقه الشيخ إبراهيم المروروزي؛ أنه لو عيل صَبْرُهُ، وأخمده الجُوع، ففيه قولان:
أحدهُما: وبه قال أبو حنيفة والمُزَنِيُّ: أنه لا يجوز له تناول المحرمات، حتى يصير إلى أدنى الرمَقِ؛ لأن خوف الهلاك لم يتحقَّق.
والثاني: يَحِلُّ؛ لما يناله من المشقة، ولينفعه الطعام ويشبعه، ولا يُشْتَرط فيما يخاف منْه تيقن وقوعه، لو لم يأكل، بل يكفي غلبة الظن، كالمحذور المخُوف في صورة الإِكراه.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: الطرفُ الثاني في القَدْر الذي يُباح لصاحب الضرورة أكلهُ، ولا خلاف في أن له أن يأكل ما يسُدُّ به الرمق، وأنه ليس له أن يزيدَ على الشبع، وهل له أن يزيد على ما يسد الرمق إلى الشبع، فيه قولان:
أحدهما: وبه قال أبو حنيفة، واختاره المُزَنِيُّ: لا؛ لأن الضرورة اندفعت بسد الرمق، وقد يجد بعده ما يغنيه عن الحرام.
والثاني: نعم؛ لأن ما يحِل منه القدر الذي يسُدُّ الرمق يُحِلُّ القدر المشبع، كالطعام، الحلال، وأيضاً، فإنه، إذا لم يشبع لا يقوى على السير، ويحتاج إلى ملازمة الحرام، والعود إليه مرة بعد أخرى، وعن مالكٍ وأحمدَ روايتان كالقولين، ويشبه أن يُبنى القولان على القولين في أنه، إذ أجهده الجوعُ، هل له تناول المحرَّمات أو لا يتناول، حتى يصير إلى أدنى الرمق؟ فإن قلنا بالأول، فيزيد إلى أن تَسكُن نهمته وينتهي