للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الشبع، كان قلنا: بالثاني، فلا يزيد على سد الرَمق، وقد يفهم إيراد الأئمة إثبات قولين إذا قُلْنَا بالثاني:

أحدهما: لا يزيد؛ قياساً للاستدامة على الابتداء.

والثاني: أن له أن يزيد؛ لأن الضرورة قد تحقَّقت في الابتداء، والاستدامة محل المسامحة؛ ألا ترى أن الحر لا ينكح الأمة إلا عند الضرورة، ثم لا تعتبر الضرورة في الدوام، وفيه قول ثالث، وهو أنَّه، إن كان قريبًا من العُمران، اقتصر على سدِّ الرمق، وإن كان في بادية بعيدة من العُمران، فيشبع ليقوى على قطع المسافة، هكذا أطلق الخلافَ أكثرُهم، وزاد الإِمام تفصيلاً طَوَّل فيه، ولخَّصَه في؛ "الوسيط" بأن قال: إن كان في بادية، وخاف أَلاَّ يتقوَّى على قطْعها لو لم يشبع، ويهلك، فيجب القطع بأنه يشبع، وإن كان في بلد وتوقَّع الطعام الحلال قبل عود الضرورة، فيجب القطع بأنه يقتصر على سَدِّ الرَّمَق، وإن كان لا يظهر حصولُ طعامٍ حلالٍ وأمكنه الرجوعُ إلى الحرام مرة بعد أخرى، إن لم يجد الحلال، فهذا موضع الخلاف، ويجوز أن يُقَال: الأكل مرةً أَوْلَى من المعاودة مرة بعد أخرَى، ويجوز أن يُقال: يُقتصر على سد الرمق، فلعله يطرأ ما يغنيه عن المعاودة، وإلى ترجيحه مال صاحبُ الكتاب، وإليه ذهب القفَّال وكثيرٌ من الأصحاب، وعن صاحب "الإِفصاح" ترجيح القول بجواز الأكل إلى الشّبَع، وبه قال القاضي الرويانيُّ وغيره، ويجوز أن يتزوَّد من الحرام، إذا كان لا يرجو الوصولَ إلى الحلال، وإن كان يرجوه، لم يجز، هكذا أطلق صاحبُ "التهذيب" وغيره وعن القفَّال: أنه لو حمل رجلٌ ميتةً من غير ضرورة، لم يمنع منه، ما لم يتلوث بالنجاسة، وهذا يقتضي تجويز التزود عند الضرورة بطريق الأولى.

وقولُه في الكتاب تعين سَدُّ الرمق، وحرم الشِبع يمكن أن يرقم بالواو؛ لأن القاضي ابن كج بعْد أن رَوى ما في الكتاب عن أبي إسحاق، رأى طَرْد القولين مع توقُّع حصول الحلال.

فَرْعٌ: إذا قلنا: له أن يأكل قدْر ما يُشْبع، فأكل ما يسُدُّ رمقه، ثم وجد لقمة من الحلال، لم يكن له أكل الحرام حتى يأكل تلك اللقمة، فإذا أكلها، هل له الإِتمام إلى الشبع؟ فيه وجهان؛ للقاضي الحُسَيْن وجْه المَنْعِ: أنه عاد إلى أصل التحريم بتلك اللُّقْمَة، فيحتاج إلى عَوْد الضرورة.

آخَر: إذا لم يجد المضطر إلا طعامَ الغير، وهو غائب أو حاضرٌ ممتنع من البدل، فيقتصر على سدِّ الرمق أو يأكل منه قدْر الشبع؟ فيه ثلاثةٌ طرق؛ الأظهر طرد القولين، وقطَع قاطعون بالاقتصار على سَدِّ الرَّمَق؛ لأن حق الآدميِّ مبنيٌّ على المضايقة، وعكس عاكسون، فقطَعُوا بأنه يأكل قدر ما يشبع؛ لأنه مباح الجوهر بخلاف المَيْتَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>