للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الخلاف في أنه، هل يجب عليه الأكل من الميتة؟ وأولَى بألاَّ يجب؛ لأن عقل المالك ودية يبعثانه على الإِطعام، وهو واجب عليه، فجاز أن يجعل الأمر موكولاً إليه، ويكتفي به، وخصص في "التهذيب" الخلاف بما إذا لم يكن عليه خوفٌ في الأخذ قهراً، فإن كان فيه خوفٌ، لم يجب بلا خلاف، وإذا أوجبنا على مالِك الطعام بذْلَه، فعن "الحاوي" وجه أنه، يلزم بذله مجاناً، ولا شيء على المضطر، كما أنه يستبيح الميتة بلا شيء، والمذهبُ المشهور: أنه لا يلزمه البذل إلا بالعوض، وفَرَقُوا بينه وبين ما إذا خلُص مشرفاً على الهلاك بالوقوع في ماء أو نار؛ حيث لا يجب عليه أجرة المثل؛ بأن هناك يلزمه التخليص، كان لم يكن للمشرف على الهلاك مالٌ، ولا يجوز التأخير إلى تقدير الأجرة وتقريرها، وههنا بخلافه، وسوَّى القاضي أبو الطيَّب وغيرُه بينهما، فقالوا: إن احتمل الحال هناك موافقته على أجرة يبذلها أو يقبلها, لم يلزم تخليصه حتى يقبل الأجرة، كما في المضطر، كان لم يحتمل الحال التأخير في صورة المضطر، فأطعمه، لا يلزمه العوض؛ فلا فرق إذن، ثم إن بذل المالكُ الطعامَ مجاناً، فعليه قبولُه ويأكلُه إلى أن يَشبع، وإن بذله بالعوض، نُظِر، إن لم يقدر العوض، فعلق المضطر قيمةُ ما كل في ذلك المكان والزمان، وله أن يشبع، كان قدّر العوض، فإن لم يفرد له ما يأكله، فكذلك الجواب، وإن أفرده، فإن كان المقدَّر ثمن المثل، فالبيع صحيحٌ، وله أن يأخذه ما فضل عن الأكل، كان كان أكثرَ من ثمن المثل، والتزمه، ففيما يلزمه وجهان:

أحدُهما: المسمَّى؛ لأنه التزمه بعقد لازم.

والثاني: لا يلزمه إلا ثمن المثل في ذلك المكان والزمان؛ وتسقط الزيادة؛ لأن الضرورة ألجأتْهُ إلى التزام الزيادة، فهو كالمُكْرَهِ على قبولها، وهذا أظهر عند القاضي الرويانيِّ، وأقرب إلى المصلحة، والأول أصحُّ عند القاضي الطبريِّ، وأقيس، وتوسَّط أقضى القضاة الماورديُّ، فقال: إن كانت الزيادة لا تشق على المضطر؛ ليساره، فهو في قبُولها غير مكْرَه؛ فتلزمه، وإن كانت تشقُّ عليه؛ لإِعساره، فهو في قبولها مكره، فلا تلزمه، قال الأئمة: وينبغي للمضطر أن يَحتال وشعى في أخذه [منه] ببيع فاسد، حتى يخرج عن الخلاف، ولا يلزمه إلا القيمة، وقد يفهم إيرادهم تصحيح البيع، وجعل الخلاف فيما يلزم ثمناً، لكنَّ الوجْه نصب الخلاف في صحة العقْد؛ لمعنى الإكراه، إن جعل المضطر مكْرَهاً، وفي تعليقة الشيخ أبي حامد ما يبيِّن ذلك، وصرح به الإِمامُ، فقال: الشِّرَى بالثمن الغالي للضرورة، هل يجعله مكْرَهاً، حتى لا يصح الشرى فيه وجهان:

أقيسهما: المنعُ، ثم إنه أجرى الخلاف في صحة بيع المصادر من جهة السلطان

<<  <  ج: ص:  >  >>