الجائر، إذا باع ماله للضرورة ودفع الضرر الذي يناله، وجعل صاحبَ الطعام بالامتناع عن البذل بثَمَن المثل كالمُصَادِر، والظاهر صحة المنع؛ لأنه لا إكراه على البيع، ومقصود الظالم المالُ من أي وجه كان، وبالصحة أجاب الشيخ إبراهيم المروزي، واحتج بها؛ لوجه لزوم المسمَّى في "مسألة المضطر"، ومهما بلغ المال بثمن المثل، ومع المضطر مالٌ، فعليه شراؤه وصرف ما معه إلى الثمن، حتى لو كان معه إزار، فعليه صرفه إليه، إذا لم يخف الهلاك من البرد ويصلي عَارِياً؛ لأن كشْفَ العورة أخفُّ، مِن أكل الميتة؛ ألا ترى أنه يجوز أخذ الطعام قهراً، ولا يجوز أخذ سائر العورة قهراً، وإن لم يكن معه مالٌ، فعليه التزامه في الذمَّة، سواء كان له مالٌ ذي موضع آخر أو لم يكن، وعلى المالِك، والحالة هذه البيعُ نسيئةً، وليس للمضطر الأخذُ قهراً، والمالكُ يبذل ثمن المثل، وإن باع بأكثر منه، فللمضطر ألاَّ يقبل ويأخذه قهراً أو يقاتِلَه عليه، فإن اشتراه بالزيادة مع إمكان الأخذ قهراً، فهو مختار في الالتزام، فيلزمه بلا خلاف، والخلافُ السابق فيما إذا عجز عن الأخذ قهراً، ولو أطعمه المالِكُ، ولم يصرِّح بالإِباحة، ففيه وجهان:
أصحهما: أنه لا عوض عليه، ويحمل على المسامحة المعتادة في الطعام، سيما في حق المضطر، ولو اختلفا، فقال المُطِعم: أطعمتك بِعِوَضٍ، وقال المضطر: بلا عوض، فالمصدَّق المُطْعم؛ لأنه أعرف بكيفية بذله، أو المضطر؛ لأن الأصل براءةُ ذمته؟ فيه وجهان؛ رُجِّح منهما الأول، فإذا أوجر المالِكُ طعامه المضطر قهراً أو أوجره، وهو مغمى عليه، فهل يستحق. القيمة عليه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا؛ لأنه لم يطلب ولا تناول، وأحسنهما: نعم؛ لأنه خلصه عن الهلاك، فصار كما لو عَفَا عن القصاص، وأيضاً، ففيه تحريض على تدارك المضطرين، وكما يجب بذل المال؛ لإِبقاء الآدمي المعصوم، يجب بذله لإبقاء البهيمة المحترمة، وإن كانت مِلكاً للغيْر، ولا يجب البذل للحزبي والحربي والكلب العقور، ولو كان للرجل كلبٌ غيرُ عقور جائعٌ وشاةٌ، فعليه ذبح الشاة لإطعام الكلب، قال في "التهذيب"، وله أن يأكل من لحمها؛ لأنها ذُبحت للأكل (١)، وقولَه في الكتاب "جاز له قتل المالِك في الدفع" يعني أنه لو صار مقتولاً، لا يقع قتلُه هدراً، ولا يجوز قصد قتله بحال.
وقوله:"لزمه شراؤه" يمكن أن يعلم بالواو؛ لقول من قال: إن على مالِك الطعام بذله مجاناً.
(١) قال في الخادم: إنما يتضح ما ذكره الشيخ إذا لم نجوز له قتله فإن جوزناه كما هو المنقول عن نص الشَّافعي وغيره فالقياس عدم الوجوب بل إنه مخير بين الأمرين والظاهر أنه لو أرسله لتوقع ما يسد جوعته وجب عليه إرساله.