وفي قوله:"فهو كشراء المصادر" يعني، وفيه خلافٌ، وهو الذي حكيناه عن الإِمام، وجعل في "الوسيط" الخلاف قولين، ولا يكاد يُوجد ذلك لغيره، وقوله "كشرى المصادر" يريد الشَّرْىَ من المُصَادِر، ويجوز أن يُحْمل على شرى المصادر الشيء الذي يصادر على تحصيله، وفي بعض النسخ "كَبَيْع المُصَادِرِ" وهو الأظهر.
والحالة الثانية: إذا كان صاحب الطعام غائباً، فيجوز للمضطر تناوُل الطعام، ثم يغرم له، وفي وجوب التناول والقدر المتناول ما مضى من الخلاف.
وإن كان الطعام لصبي أو مجنون، والولي غائب، فكذلك، وإن كان حاضراً، فهو في مالهما ككامل الحال في ماله، وهذه إحدى الصور التي يجوز فيها بيع مال الصبي نسيئة، وجميع ما ذكرنا في الحالتين مفروض فيما إذا لم يجد إلاَّ طَعَامَ الغَيْرِ، فأما إذا وجد معه ميتة ونحوها، فحكمه ما سيأتي في الفصل الذي يلي هذا الفصل.
فروع: إذا استضاف مسلمٌ لا اضطرار به مسلماً، لم يجب عليه ضيافته، والأحاديث الواردة في الباب محمولةٌ له على الاستصحاب، وعن أحمدَ: أنها واجبةٌ.
ومَنْ مَرَّ بثمر الغير أو زرعه، لم يجز له الأكل، والأخذ بغير إذن صاحبه إلا أن يكونَ مضطراً، وعن أحمدَ روايةٌ: أنه يجوز الأكل من الثمار الرطبة في البستان الذي هو غير محوطٍ، ورُوِيَ عنه أنه ينادى ثلاثاً، فإن أجابه إنسان، وإلا أكل منه، ولا يزود معه شيئاً، وحكمُ الثمار الساقطة من الأشجار حكمُ غيره، إن كانت داخلَ الجِدار، وإن كانت خارجةً، فكذلك، إن لم تجر عادتهم بإباحتها، وإن جرت كما في النخيل بالكوفة، والبصرة، فقد حكى القاضي الرويانيُّ وجهين في أن العادة المطردة، هل تَجْري مَجْرَى الإِباحة؟.
إحداهما: إذا وجَد المضطر ميتة وطعام الغير، وهو غائب، ففيه ثلاثةٌ أوجه، ويُقال أقوال:
أصحها: أنه يأكل الميتةَ، ويدع طعام الغير، وبه قال أحمد؛ لأن الميتة محرمةٌ لحقِّ الله تعالى، وحقوق الله تعالى مَبْنَى أمرها على المسامحة، ولأن إباحة الميتة للمضطر منصوصٌ عليها، وجواز الأكل من مال الغير بغير إذنه يؤخذ من الاجتهاد؛ ولأنه لا يتعلَّق به ضمان واشتغال ذمة.