للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: ويُحْكَى عن أبي حنيفَة: أنه يأكل طعامَ الغير؛ لأنه قادرٌ على طعام حلال العين؛ فأشبه ما إذا كان المالِكُ حاضرًا وبذله.

والثالث: أنه يتخيَّر بينهما؛ لتعارض المعنيين، وأشار الإِمام إلى أخذ هذا الخلاف من الخلاف في اجتماع حقِّ الله تعالَى وحق الآدميِّ.

وإن كان صاحبُ الطعام حاضرًا، نظر؛ إن بذله بلا عوض، وجب على المضطر قَبولُه، وإن باعه بثمن المثل، وجب عليه الشرى، إن كان الثمن معه أو رضي المالِك بكونه في ذمته، وكذا إذا باع ما يتغابن الناس بمثله، وإن كان ببيع بزيادة كثيرة، فالذي أورده العراقيون والطبريون من أصحابنا وغيرهم: أنه لا يلزمه شراؤه، لكنه يُستحب، وإذا لم يلزمه الشرى، فهو كما لو لم يبذله المالِك أصلاً، وإذا لم يبذله، فلا يُقاتله عليه المضطر، إن كان يخاف من المقاتلة على نفسه، أو كان يخاف أن يَهْلك المالك في المقاتلة، بل يعدل إلى الميتة، وإن كان لا يخاف لضعف المالك وسهولة دفعه، فهو على الخلاف المذكور فيما إذا كان غائباً، وفي "التهذيب"؛ أنه يشتريه بالثمن الغالي، ولا يأكل الميتة، ثم يجيء الخلاف في أن الواجب عليه المسمى أو ثمن المثل وذكر فيما إذا لم يبذل أصلاً: أن على قولنا؛ إن طعام الغير أولَى من الميتة؛ يجوز أن يُقال: إنَّه يقاتله عليه، ويأخذه منه قهراً.

وقوله في الكتاب "الميتة أولَى"، و"الطعام أولَى"، ليس على سبيل وصف أحد الجائزين بالأولوية، وإنما يعني أنها أو أنه أولَى بأن يتعين أو أنه أولَّى بالأكل، فيتعين له.

المسألةُ الثانيةُ: إذا اضطر المُحْرِم، ولم يجد إلا صيداً، فله ذبحه وأكله، وتلزمه الفدية، وإن وجد صيداً وميتة، فقولان:

أحدُهما: وهو اختيار المُزني: أنه يأكل الصيد؛ لأن تحريم الميتة آكد وأغلظ؛ لأنه يتأبد ويعم المُحْرِم وغيره، وتحريُم الصيد بخلافه.

وأظهرُهما: وبه قال أبو حنيفَة ومالكٌ: أنه يأكل الميتة؛ لأن في الصيد يحتاج إلى ارتكاب محظورَيْن؛ وهما القتل والأكل، وأيضاً، فإنه يلزمه الجزاء، ولا ضمان في الميتة، وأيضاً فإن استثناء الميتة عند الاضطرار منصوصٌ عليه، والصيد مستثنى في حالة الاضطرار بالاجتهاد، وكيف حال القولين وترتيبهُما، وعلام ينبنيان؟ فيه ثلاثُ طرق عن أبي إسحاقَ والقاضي أبي حامد: أنهما متأصلان بنفسهما، وعن ابن القاصِّ: بناؤهما على أن المُحْرِم، إذا ذَبَحَ الصيدَ، هل يصير ميتة؟ إن قلنا: نعم، وهو القول الجديد، فيدع الصيد ويأكل الميتة؛ لأن الذَّبْح محظورٌ في نفسه، وهو بعد الذبح كالميتة، وإن قلنا: لا فيأكل الصيد؛ لأنه طاهر ذكي، ويفدى كما يأكل طعام الغير، ويضمن وعن

<<  <  ج: ص:  >  >>