والثاني: وبه قال الشيخ أبو محمد: لا يسجد؛ لأن سجود السهو يجبر كل خلل في الصلاة، فيجبر نفسه كما يجبر غيره، وهذا كوجوب شاة في أربعين إذا أخرج واحدة تزكي نفسها وغيرها، فإنها من جملة الأربعين، فهذه الصور الثلاث هي المذكورة في الكتاب.
وقوله:(وإنما يتعدد سجود السهو) يشعر بالحصر فيها، ولكن وراءها صوراً أخرى منها: لو شرع المسافر في الصلاة بنية القصر فسها وسجد للسهو، ثم نوى الإتمام قبل أن يسلم، أو صار مقيماً بانتهاء السفينة إلى دار الإقامة يجب عليه أن يتم الصلاة ويعيد السجود في آخر صلاته؛ لأن محله آخر الصلاة.
ومنها: لو سجد للسَّهو، ثم سَهَا قبل أن يسلم بكلام، أو غيره هل يسجد للسهو؟ فيه وجهان:
أحدهما: وبه قال ابن القاص: نعم؛ لأنه وإن جبر ما قبله وما فيه فلا يجبر ما يقع بعده.
وأصحهما: لا يسجد، كما لو تكلم في سجود السهو أو سلم بينهما.
والمعنى فيه أنه لا يؤمن من وقوع مثله في السجود ثانياً أو بعده فيتسلسل، ولو سجد للسهو ثلاثاً سهواً لا يسجد لهذا السَّهْوِ، وكذلك لو شك في "أنه سجد للسهو سجدة، أو سجدتين فأخذ بالأقل، وسجد أخرى كما أمرناه به، ثم تحقق أنه كان قد سجد سجدتين لا يسجد ثانياً للمعنى الذي ذكرناه، وعبروا عن هذا الوجه بالأصح وعن الأصح في الثالثة من صور الكتاب بأن قالوا: السهو في سجود السهو لا يقتضي السجود، والسهو بسجود السهو يقتضي السجود.
ومنها لو ظن أن سهوه ترك القنوت، فسجد للسهو، ثمَ بَانَ له قبل أن يسلم أن سهوه شيء آخر. هل يسجد ثانياً؟ فيه جوابان للقاضي الحسين:
أحدهما: نعم؛ لأنه قصد بالأول جبر ما لا حاجة إلى جبره وبقي الخلل بحاله.
وأظهرهما: لا؛ لأنه قصد جبر الخلل، وأنه يجبر كل خلل.