والثانية: أن لا يقطعها؛ بل ينتظر قائماً إلى أن يسلم الإمام، والذي نقلناه عن الإمام كلام في الحالة الأولى، وفيه ما يقتضي وجوب الرجوع في الحالة الثَّانية، وامتناع الانتظار، وما في الكتاب كلام في الحالة الثانية؛ لأنه إذا قطع القدوة، وجوزناه فلا ينتظر سلام الإمام، بل يشتغل بتدارك ما عليه، وليس تجويز الانتظار قائماً إلى سلام الإمام صافياً عن الإشكال لما فيه من المخالفة الظاهرة بخلاف سبقه الإمام بركن، فإن المسبق اليسير إلى ما سينتهي الإمام إليه لا يعد مخالفة محضة، وبتقدير أن يكون قيام المسبوق كالسبق بركن، فقد ذكرنا من قبل وجهين فيما إذا غلط المأموم فسبق الإمام بركن هل يجب عليه العود أم يجوز له أن ينتظر فيه؟ فليكن قوله:(ولينتظر قائماً) معلماً بالواو، وعلى كل حال فلو كان قد قرأ قبل تبين الحال لم يعتد بقراءته، بل عليه الاستئناف فلذلك قال:(ثم ليشتغل بقراءة الفاتحة بعده).
قال الرافعي: إذا سها الإمام في صلاته لحق سهوه المأموم، لما روي في الخبر الذي تقدَّم، وإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه، ولأنه لما تحمل سهو المأموم لزمه سهو نفسه، ويستثني صورتان:
إحداهما: أن يتبين له كون الإمام جنباً، فلا يسجد لسهوه، ولا يتحمل هو عن المأموم أيضاً.
والثانية: أن يعرف سبب سهو الإمام، ويتيقن أنه مخطئ في ظنه، كما إذا ظن ترك بعض الأبعاض، والمأموم يعلم أنه لم يترك فلا يوافق الإمام إذا سجد.
إذا ثبت هذا الأصل، فينظر إن سجد الإمام وافقه المأموم فيه، ولو تركه عمداً بطلت صلاته، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤتَمَّ بِهِ"(١)، وسواء عرف المأموم سهوه أو لم يعرفه، فإذا سجد سجدتين في آخر صلاته، وجب على المأموم متابعته؛ حملاً على
(١) متفق عليه من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- أخرجه البخاري (٧٢٢، ٧٣٤) ومسلم (٤١٤).