للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و"المهذب" -رحمهما الله- وغيرهما: أنه يكونُ يمينًا؛ لاحتمال اللفظ، وضمَّنه النية، وفي شرح الموفَّق بن طاهر: أن صاحبَ "التقرِيب" وأبا يعقوب حكياه عن شيوخ الأصحاب -رحمهم الله- وقطَعُوا به، والأظهر، وبه أجاب الشيخ أبو حامد وابن الصبَّاغ والعراقيون وتابعهم الإِمام وصاحبُ الكتاب -رحمهم الله- أنه لا يكون يمينًا، ووجَّهوه بأن اليمين إنما تنعقد إذا حَلَف باسم معظَّم والأسامي التي تطلق في حق الخالق والمخلوق إطلاقًا واحداً ليس لها حرمةٌ ولا عظمة، فلا ينعقد بها اليمين (١)، واعلم أن صاحبَ التهذيب عدَّ السميع، والبصير من النوع الثاني، ويشبه أن يكونا من هذا النوع، وأن صاحبَ الكَتاب عَدَّ الحكيم والعليم من النوع الثاني، ويشبه أن يُعَدَّا من هذا النوع أيضاً، ويدل عليه أن "العالِم" في "التهذيب" يندرج في هذا النوع، والله أعلم.

والقسم الثالث: الحلف بالصفات، ونتكلم في صور منها على الأثر، هذه طريقة في الضبط.

والثانية: وهي أقصدُ: أن اليمين، إنما تنعقد، إذا حلف الحالف بما مفهومه ذاتُ الله تعالَى أو صفةٌ من صفاته، ويندرج في الأول القسمانِ الأولان في ذلك القِسْم، وأما الكلام في الصورة المتعلقة بالصفات.

فمنها: إذا قال: وحق (٢) اللهِ، لأفعلنَّ كذا، فقد حَكَى الإِمام فيه وجهين متصورة منهما، والمذكور في الكتاب: أنه كناية فلا يكونُ يميناً إلا إذا انضمَّت إليه النِّيَّةُ؛ لأن حق الله تعالى يُطْلق على العبادات التي أَمَرَ بها ويُطلَقُ بمعنى استحقاقه الألوهية والعَظمة، والتَّعَالي، فلا يصير يميناً إلا بالنية، ويُروَى هذا عن أبي حنيفة، وعن المُزنِّي في "مسائله المنثورة" ورواه شارح "مختصر الجويني" من أبي إسحاق:

وأظهرهما: وهو المنصوص، والذي يوجد للجمهور -رحمهم الله- أنه يمين، وإن أطلقه، ولم يكن له نيةٌ، وإنما ينصرف عن اليمين، إذا نوى فيه غير اليمين، وبه قال مالك وأحمدُ -رحمهما الله-، أما كونه يمينًا عند الإِطلاق، فقد وُجِّهَ بطريقين:

أشهَرُهُمَا: أنه غلب استعماله في اليمين، فتصير هذه الغلبة قرينةً صارفةً للفظ إلى معنى استحقاق الألوهية والعَظَمَة.


(١) قال النووي: الأصح أنه يمين، وبه قطع الرافعي في "المحرر" وصاحب "التنبيه" والجرجاني وغيرهما من العراقيين لأنه اسم يطلق على الله وقد نواه، وقولهم: ليس له حرمة مردود.
(٢) قال المروذي: ومعناه وحقية الإلهية لأن الحق ما لا يمكن جحوده، فهو في الحقيقة أسم من أسماء الله تعالى، وقال غيره: حق الله هو القرآن، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ}. والحلف بالقرآن يمين في صورة الإِطلاق، فكذا ما نحن فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>